13 سبتمبر 2025
تسجيلكنتُ أنظرُ من نافذةِ الطائرةِ كعادتي في السفر، فشد انتباهي خط طويل متجهٌ إلى شمال جزيرة العرب، لم أعرف ما هو ولم أستطع أن أحدد له بداية ولا نهاية بسبب الارتفاع وضبابية الرؤية، صرفت بصري عن النافذة لبرهة، فإذا بقائد الطائرة ينوه قائلًا: «بأنه بإمكان المسافرين الآن رؤية سكة الحديد العربية التي تربط دول الخليج بدول المغرب العربي عبر جمهورية مصر العربية، وأنه يمتد من ساحل الخليج إلى ساحل المحيط الأطلسي». عدت النظر مرة أخرى من شباك الطائرة إلى ذلك الخط البعيد الذي أصبح يجسد الحلم الساكن في أعماقي منذ الأزل، استغرقت وقتًا طويلًا وأنا أتأمل ذلك المشروع العملاق، شرقت وغربت بأفكاري وأحلامي وآمالي وأنا أكحل عيني برؤيته الضبابية حتى قطع خيط افكاري تصاعد الضجيج الذي أحدثه الركاب في الطائرة بعد إذاعة الخبر، كان كابتن الطائرة يرفع صوته عبر مكبر الصوت منتشيًا ويردد خلفه الركاب بعض الأهازيج بفرحٍ وبهجة وكأننا انتصرنا في مباراةٍ لكرة القدم، أو حققنا ميدالياتٍ ذهبية في الأولمبيات، أو التقينا مع مطربنا المحبوب في حفلةٍ غنائية صاخبة. حاولت أن أقطع صوت الضجيج بوضع السماعات التي وجدتها في جيب الكرسي ثم عاودت النظر إلى الأرض متتبعًا مسار سكة الأمل العربي، وإذا بي أسمع أحدهم يقدم شرحًا عن المشروع. كان الصوت واضحًا وهادئًا جدًا، حتى أنني لم أنس التفاصيل التي ذكرها عن المشروع وأثره على وحدة وتكامل الدول العربية، وعن الفرص الواعدة للشباب العربي، وعن فرص التجارة البينية، وذكر شيئًا عن تشكيل كونفدرالية سماها «الكتلة العربية الصلبة» على أن تكون مرحلة مبدئية في اتجاه الاندماج الكامل، كما تحدث عن الأهمية الجغرافية للوطن العربي، وعن أعداد الموانئ والمطارات، وعن حجم وتنوع الموارد الطبيعية، النفط، الغاز، الذهب، المعادن، الثروات الحيوانية والسمكية، الأراضي الشاسعة الخصبة، السدود والأنهار، مكامن الطاقة النظيفة والمتجددة، وذكر أيضًا الممرات المائية الخمسة التي يشرف عليها الوطن العربي الكبير وأهميتها الإستراتيجية بدءا من مضيق جبل طارق في أقصى الغرب مرورًا بقناة السويس حتى مضيق هرمز. وبدأت أتساءل في نفسي هل هذه حقيقة أم أنني أحلم؟ وذهب بي الخيال إلى البعيد وإذا بي أبحث عن اسمٍ يجسد هذا المارد العربي الواعد، هل نسميه الاتحاد العربي، أو نسميه المملكات العربية المتحدة، كيف ستكون العملة العربية الموحدة؟، ماهو حجم الاقتصاد؟ وكيف سنستثمر الموارد المهولة؟ هل ستختفي البطالة بين الشباب العربي؟ هل سنصبح عضوا دائما في الأمم المتحدة كباقي الدول العظمى؟، كيف سيكون النظام السياسي؟ وهل ستنتهي الهيمنة الغربية على الأرض العربية؟ وهل .. وهل .. وهل ... ثم سمعتُ صوتًا يهمس في أذني: «القطار ياسيدي ... القطار ياسيدي.» فتحت عيني واذا بالمضيف قد وضع صينية الفطار أمامي قائلًا: «عذرًا سيدي لإيقاظك فالطائرة على وشك الهبوط في مطار اسطنبول، افتح النافذة لوسمحت، نهارك سعيد.»