20 سبتمبر 2025
تسجيلينشغل السياسيون بالأوضاع السياسية الضاغطة، ليكتشفوا فجأة أن ما كانوا يرونه ترفاً سياسياً وفكرياً، غدا خطراً ماحقاً، يهدد البلد برمته، وعلى رأسه السياسي الذي تسبب جهله أو تجاهله بقراءته، ويأتي من ضمنها في حالتنا اليوم تجاهل السياسي الباكستاني للواقع المناخي، وتداعياته على البلد، الذي أتى بكارثة أضاع عليها عشرات المليارات من الدولارات، إذ ظهر بحسب دراسة علمية غربية منشورة، شارك فيها 20 من كبار الباحثين والخبراء العالميين في مجال البيئة، أن أكثر من 50% من أسباب فيضاناتها الأخيرة، إنما يعود إلى التغير والتبدل المناخي، وهو ما دفع منظمات بيئية عالمية للمطالبة بتعويضات من الدول الغنية التي تسبب هذا التغير المناخي، وقد حصلت باكستان على 13 مليون دولار من الدانمارك تعويضاً اعتبر الأول من نوعه تاريخياً، في أن تقبل دولة غنية تعويض دولة متضررة بسببها في التغير المناخي. الفيضانات التي اجتاحت باكستان خلال الأسابيع الماضية غير مسبوقة، وتعد الأعنف من نوعها منذ عام 1961، حيث ارتفع منسوب الأمطار الهاطلة على باكستان أربعة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي، وهو ما ألجأ أكثر من نصف مليون شخص إلى مخيمات التشرد، وجعل أعداداً كبيرة من الناس بلا مأوى ولا خيام، بينما تتحدث منظمة الصحة العالمية عن تدمير الفيضانات لـ 888 مركزا صحيا، فضلاً عن أن كثيرا من المراكز الصحية الأخرى مهددة بالدمار، إن لم ينحسر الماء. في حين مات حوالي 1400 شخص جراء هذه الفيضانات، وتضرر أكثر من 33 مليون شخص بسببها، وتدمرت 17500 مدرسة، ونفق ثلاثة أرباع المليون من الماشية. لقد غمرت هذه الفيضانات أكثر من ثلث باكستان، وتضرر أكثر من ثلاثة آلاف ميل من الاتصالات الباكستانية، بالإضافة إلى انهيار أكثر من 200 جسر، ويتحدث بعضهم عن دمار أكثر من 90% من محاصيل إقليم السند وتلفها، وهو من أهم الأقاليم الباكستانية في مجال الزراعة. لكن الأخطر من ذلك كله هو تحذير المشافي والمراكز الصحية من تفشي أمراض تعقب مثل هذه الكوارث، وهو الأمر الذي سيكون من المتعذر على البلد مواجهته، لاسيما ونحن نتحدث عن انهيار منظومة صحية في المناطق الأشد تضرراً جراء هذه الفيضانات. وزيرة البيئة في الحكومة الباكستانية (شيري رحمان) كتبت في الغارديان البريطانية متهمة الدول الغنية بالتغير المناخي، الذي حصدت نتيجته باكستان اليوم، ودعت رحمان إلى تعويض باكستان عمّا خسرته جراء هذه الفيضانات، والتي لم يكن لها فيه دور، وإنما السبب من الدول الغنية، في حين تعهد وزير التخطيط الباكستاني (أحسن إقبال) بتقديم الحالة الباكستانية للعالم كله، من أجل إظهار البلد على أنه ضحية الدول الغنية المسببة لهذا التغير المناخي. كثير من علماء البيئة اليوم يعكفون على قراءة المثال الباكستاني بعمق، وذلك للخروج بنتيجة تُلزم الدول الكبرى المسببة لهذا التغير المناخي، المُفضي إلى الفيضانات وتضرر الدول الفقيرة والنامية، لتتحمل بذلك النتائج. ولكن يبقى الحل الحقيقي هو بتوقيع القوى الكبرى على اتفاقيات عالمية لخفض التلوث البيئي، وإلا فإن هذه القوى الكبرى ستظل تتنصل، وترفض التوقيع على هذه الاتفاقية، مما يعني تلقائياً دفع الدول الصغرى والنامية الثمن، واليوم باكستان وربما غداً دول أخرى. النقطة الأخيرة التي ينبغي الإشارة إليها في هذا السياق هي أن التغيرات المناخية متعددة التأثيرات والأضرار، فهي لا تشمل الطيور والحيوانات فحسب، بل تشمل كل ما يتعلق بحياة الإنسان، من هواء وماء، وسقاية وزراعة ونحوها، الأمر الذي يستوجب التحرك العاجل والمتعدد الاتجاهات، من أجل حماية الإنسان وبيئته.