18 سبتمبر 2025
تسجيلهناك من يقضي سنين في المنصب دون أن يصدق أنه يحتل هذا المنصب، وهناك من يريد من يذكّره دائماً أنه لا يزال وزيراً أو مديراً، وهناك من يقضي فترة المنصب كلها وهو غير مصدق أنه فعلا أصبح فيه، وبالتالي هناك من يخرج من المنصب وهو لا يزال يعتقد أنه لم يدخله بعد شوقاً إليه ، وأن المستقبل ليس الغد وإنما هو أيام المنصب ولياليه الخالية. لاحظت عجباً وأنا أتأمل المناصب وروادها في بلادنا ؛ شيء عجيب، هناك من يستقبل المنصب بشهقة لا يفيق منها حتى آخر أيامه على كرسي المنصب ، ينسى من حوله سوى من عيَّنهُ ، لا يتذكر من المسؤوليات سوى قرار تعيينه . إشكالية المنصب لا تزال قائمة رغم قيام الدولة مما يقارب نصف قرن الآن، قلة فقط لا يتجاوزون أصابع اليد من كانوا خارج "شهقة" المنصب . هذه الظاهرة أفرزت ظاهرة ثانية جاءت بعدها وهي ظاهرة "يتامى" المنصب ، بعد ذهاب المنصب من كثير من أصحاب الشهقة أصبحوا يعانون اليتم، لأن تأثير "الشهقة" عند اختيارهم للمنصب أعمى أعينهم عن موضوعية المنصب ووقتيته، وربما أخلاقياته. توابع شهقة المنصب ذات طابع اجتماعي بحت بعيداً عن المهنية المطلوبة، نشاهد صاحبها يقدم الولاء للمسؤولين على حساب ربما المواطنين ويعمل كذلك على تطويل أمد بقائه في المنصب، على حساب جودة أدائه وحياديته أمام مسؤولية الوظيفة. وتفرز هذه الظاهرة بالتالي ثقافة الشكر والامتنان من منطلق ديني بحت، وكأنها عطاء رباني أكثر منها حساب دنيوي مبني على قواعد وأسس وكفاءة يمتلكها الذي وقع عليه الاختيار في المنصب. لا أعتقد أننا سنتقدم إدارياً طالما أن المنصب يُحدث "شهقة" في نفس من يتم اختياره له، لا يفيق منها إلى وقت طويل ، لذلك تجد الفرحة بالمنصب كبيرة جداً والخروج منه حزن كبير وربما اختفاء وغياب، وكأن من خرج من المنصب أساء للمجتمع، ويخشى من تأنيب المجتمع له، في حين عندما تعين نُصِبَت له الخيام وتوافد له الحضور من المهنئين . أعتقد أننا لا نزال في هذه المرحلة إدارياً بين "شهقة" المنصب و"يُتم" الخروج أو لإعفاء منه. سبب ذلك يبدو واضحاً وهو خلو المجتمع من التنظيمات المدنية، وجمعيات المجتمع المدني الوسيطة التي تملأ الفجوة بين المجتمع والمنصب، فيخرج منها المواطن للمنصب بشكل تلقائي مليء بالثقة ويعود إليها بعد المنصب أكثر خبرةً واتزاناً. أعتقد أنه حان الأوان لإطلاق المبادرات الأهلية وقبولها داخل المجتمعات من جمعيات ومنظمات أهلية تعمل على شحذ قوى المجتمع ، ولا يستعاض عنها بالجمعيات الحكومية لأن الفارق كبير ، والوسط الاجتماعي بحاجة ماسة للامتلاء بالإرادة الأهلية ولقد أثبت الحصار صلابة المجتمع ووفاءه لقادته ، فليس هناك خوف وليس هناك بديل عن قيادتنا ووقوفنا معها صفاً واحداً لكل من تسول له نفسه الإضرار بقطر، فليس أقل من أن نبدأ في التصحيح من أجل مستقبل أكثر ثقة بالإنسان وبالإرادة الحرة لبناء مستقبل يليق بالأجيال القادمة. [email protected]