11 سبتمبر 2025
تسجيلالمسألة الكردية لم تكن وليدة الساعة حيث بدأ الاقتراع فعليا على استقلال إقليم كردستان شمال العراق منذ صباح الإثنين، بل إنها مسألة مزمنة خصوصا في نهايات القرن العشرين حيث صعّد الأكراد جهودهم لانتزاع الاستقلال عن الدولة العراقية وقليلا عن غرب إيران، ولكن بقت تركيا هي أتون الحرب الباردة مع الأكراد، ومع ذلك لم يتمكن الأكراد بزعامة عائلة البرزاني التاريخية من تحقيق أكثر من حكم ذاتي منحته لهم العراق، وتخلل ذلك شبه حرب على مناطق كردية تحت حكم الرئيس الراحل صدام حسين، حيث قصف الجيش العراقي مدينة حلبجة والسلميانية عام 1988 وكذلك فعلت إيران التي عادت لتقصف جبال إربيل مع بدء عملية الاقتراع للانفصال.القضية الكردية كان يمكن التعامل معها على أساس سياسي واجتماعي واقتصادي عادل لو كانت هناك حكومات وأنظمة تمتلك الإرادة لرفع سوية نظرية الحكم العام، بدل مناصبة العداء لأي مكون اجتماعي أو سياسي أو طائفي، ولهذا فاز الأكراد بجولة قد تكون القاضية لحسابهم وضد الدولة العراقية التي انهارت عام 2003 عقب الغزو الأمريكي لها، وتركتها مستباحة للتدخلات الإيرانية والإسرائيلية ولكل التنظيمات الجهادية والإرهابية، ثم شكلت حكومات تأسست على بناء طائفي أو مصالح فئوية، حيث استشرى الفساد المالي بشكل مريع، أوصل العراق إلى قاع الهاوية، فالانفلات الأمني جعله مقبرة مفتوحة، وأطاح بكل مقومات الدولة التاريخية حتى أصبح شعبه من أفقر شعوب العالم.الأكراد أمة عرقية لها تاريخها، وإن كانوا قد تحوصلوا ضمن المنطقة الجغرافية المعروفة اليوم بكردستان الغنية بالنفط، فإنهم يسعون إلى الاتحاد الأكبر في المستقبل، حيث ستشكل الدولة الكردية إذا قامت مساحة أكبر من الكثير من الدول العربية، فشمال العراق وشمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا وشمال شرق سوريا، ستكون أرض الميعاد الكردي الكبرى، وإذا بقي الأمر متروكا للحكومتين العراقية والسورية فستكون مهمة نشوء الدولة سهلا للأكراد، ولكن ما قد يعيقهم هي تركيا وإيران، حيث سارع رئيساهما إلى الاجتماع والتحادث لإفشال مقررات الاستفتاء وعدم السماح بقيام الدولة المنتظرة، فيما العرب لا يملكون من أمرهم سوى خلافاتهم.إن الأكراد يشكلون ما يقارب 40 مليون نسمة في العراق وإيران وتركيا وسوريا والبقية موزعون في بلاد عربية وأوروبية، واللافت في الأمر إن مسألة الاندماج في المجتمعات الأخرى والولاء للدول التي احتضنتهم لم تغير من الأمر شيئا بالنسبة للكثيرين منهم، بل إن مواطني كردستان باتوا أكثر فخرا بالعلاقات مع إسرائيل وبالتعاون ما بين الإقليم وحكومة تل أبيب، وهذا ما أشرت إليه في مقال سابق، وقلت إن الدولة الكردية قادمة بدعم إسرائيلي ولا بد من تدخل تركيا لمحاولة منع ذلك، بيد أن الرؤى السياسية باتت قوى تقرر وتفعل، ومن غير المستبعد أن تمنح الحكومة الكردستانية الموعودة قاعدة عسكرية لإسرائيل على أراضيها.إن الانفصال الكردي عن الوطن الأم العربي هو تجربة سهلة، تماما كما حدث مع جنوب السودان، حيث تركت الحكومات العربية دولة السودان وقيادتها يواجهون التحديات الكبيرة لوحدهم، والتهديدات التي طالت الرئيس عمر البشير والضغوطات الدولية، حتى سمحوا بالاستفتاء الذي أخرجهم من الجسد العربي لتتلقفهم إسرائيل التي ستحكم قبضتها على الشرق الأوسط كما لم تفعل الولايات المتحدة بجيوشها، وهذا كله سيشكل مستقبلا أكثر خطرا على النظام العربي برمته، ويزيد التشرذم والاختلاف بشكل معقد، وكل ذلك جرّاء عجز الدول العربية عن خلق حالة متطورة من العلاقات بينها، والإسراع بالإصلاح السياسي والاقتصادي ووقف الحروب المدمرة، فمن سيضمن ألا ينفصل جزء من اليمن أو ليبيا أو أي مكان آخر؟