28 أكتوبر 2025

تسجيل

تدمير البيئة باسم القانون

27 سبتمبر 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); بدأت الجهات المعنية بالدولة منذ عقدين تقريباً في سنّ قوانين وتشريعات لردع العابثين بالبيئة والمدمرين لها وذلك بفرض غرامات مالية كبيرة وحجز سيارات ومراكب ووقف تراخيص شركات وغيرها من الإجراءات الرادعة التي ساهمت وبشكل ملحوظ في الحفاظ على الحياة الفطرية وإعادة بيئتنا القطرية نسبيّاً إلى سابق عهدها. هذه الإجراءات ساهمت أيضاً في نشر الوعي البيئي بين السكان حيث أصبحنا نرى مبادرات بيئية شخصية — فردية وجماعية — يتنافس فيها المواطن والمقيم للحفاظ على البيئة الهشّة من التدمير الأمر الذي انعكس إيجاباً على الفرد والمجتمع وأصبح تركيز الفرد الآن هو على كيفية المساهمة في الحفاظ عليها عن يقين في نفسه بأهميتها، سواء كان متنزِّهاً في البر أو "قانصا" أو صاحب حلال أو صائدا للأسماك في عمق البحر أو الساحل.ومن أهم النتائج الإيجابية لهذه الإجراءات هي عودة رُوض قطر المعروفة كما كانت منذ عقود بعد أن أنهكها الرعي الجائر والاحتطاب العشوائي والتدمير عن طريق الدهس بالسيارات أو المعدات أو تجريف تربتها الطينية الخصبة وسرقتها، فقد عادت الآن غابات غنّاء تسرّ الناظر وتوفّر ملجأ آمناً للطيور والحيوانات البرية وكذلك متنزهاً طبيعياً لايُملّ.وبالرغم من كل هذه القوانين والتشريعات إلا أننا نتفاجأ هذه الأيام بأعمال تخريب وتدمير مشرعن لبيئتنا البرية عن طريق شركات تم منحها امتيارا للعبث بإرثنا البيئي وتخريبه بل وسرقته على رؤوس الأشهاد ودون الاكتراث بعواقب هذا العبث وتأثيرة الكارثي.دعاني أحد الأصدقاء منذ أيام إلى زيارته في رحلة برية جنوب قطر بعد أن اعتدلت الأجواء نسبياً وأكد على حضوري قبل مغيب الشمس لكي نستمتع بمنظر الغروب، وقد اختار صديقي منطقة "النقيان" المعروفة بكثبانها الرملية الذهبية الناعمة والنادرة التي تعد مقصداً ومتنزها طبيعياً لجميع أهل قطر وملاذاً هادئاً للعائلات والسياح أيضاً فهي تعد كنزا وإرثا بيئيا قوميا لأهل قطر وللأجيال القادمة نظراً لندرتها وقلة عددها كذلك.وقد تعوّدت منذ نعومة أظفاري على الذهاب للنزهة و"الكشتة" في منطقة النقيان التي ربّانا آباؤنا وأجدادنا على المحافظة عليها ضد أي عبث لكونها بيئة هشة جداً وليست ملكاً لأحد دون آخر وعلينا جميعاً أن نتحمل مسؤولية صيانتها من العبث ورعايتها من التخريب، خاصة بأن الكثبان الرملية هذه تكوّنت عبر مئات أو آلاف السنين وتجريفها أو تخريبها يعني انتظار نفس المدة لتعود كما كانت عليه.وصلت إلى منطقة "النقيان" عصراً وما ان سلكت الطريق القديم الذي يتجه غرباً إلى منطقة "الخرارة" حتى هالَني المنظر الذي لم أر مثله من قبل، عدد هائل وطابور طويل جداً من الشاحنات التي ترى أولها ولا يمكن أن ترى آخرها وهي تنتظر دورها لابتلاع أحد الكثبان الرملية الشهيرة هناك، وما صعقني أكثر هو أنه تم دك الأرض لمسافة عدة كيلومترات لكي يتسنى لهذه السلسلة الطويلة من الشاحنات الوصول إلى الكثبان الرملية من دون أدنى مراعاة لشروط الدك التي تشترطها وزارة البلدية والبيئة في مشهد مأساوي ومؤلم لم أكن أتوقع أن يحدث في ظل ما تم سنّه من قوانين ضد مخربي البيئة والعابثين بها.لا أعلم ما المشاريع التي استدعت تجريف هذا الكم الهائل من الرمال ولكنني متأكد بأن هذا الدمار البيئي غير المحسوب العواقب — من تغيير لمعالم الأرض عن طريق تجريف الرمال ودك للتربة السطحية التي تحوي بذور النباتات الطبيعية وتقليبها وبعثرتها — بحاجة لعشرات إن لم تكن مئات من السنين لتنتهي آثارة، فمساحة قطر صغيرة والحياة الفطرية بدأت تنقرض ولم يبق منها إلا ما هو موجود في المحميات الطبيعية المحدودة جداً وإن استمر هذا التخريب الممنهج ستنتهي هذه الحياة الفطرية إلى الأبد خلال فترة بسيطة.إن ما يحدث الآن من استنزاف لثرواتنا الطبيعية من تجريف للكثبان الرملية ومصانع للرمل تكشط التربة السطحية وتفنيها وكسارات حصى تحفر الأرض وتثير الغبار الضار والقاتل للنبات والحيوان وغيرها من الصناعات هو مناقض تماماً لتوجهات القيادة العليا التي دعت للتحول التدريجي من الاستهلاك — البحت للموارد بغرض تكثيف وتغزير الإنتاج إلى الاستهلاك المستدام أو ما يسمّى " الالتزام بنمط استهلاك وانتاج مستدام".ما شاهدته منذ أيام يعد كارثة بكل المقاييس وإجراما حقيقيا بحق البيئة يجب أن يتوقف فوراً مهما كلّف الثمن، حتى لو اضطررنا إلى استيراد الرمال والحصى من الخارج فبيئتنا غالية وما سندفعه من أموال الآن للحفاظ عليها قد ندفع أضعافه لاحقاً من مقدّراتنا وصحة أجيالنا القادمة ونمط معيشتها، وإن لم نتدارك هذا الأمر ونعمل على تصحيح الأوضاع الحالية فلن نصل إلى ما نطمح إليه من تنمية مستدامة نوازن فيها بين الاستهلاك والإنتاج، وسنبقى مستهلكين للموارد مدمّرين للبيئة.