27 أكتوبر 2025

تسجيل

الظلم ظلمات

27 سبتمبر 2016

تطرقنا إلى آفة الغضب والآثار السلبية التي ينتج عنها إذا استشرت في المجتمعات وما تخلفه من خراب في البنية الأساسية لكيان المجتمع، إلا أن هناك مرادفات مماثلة تسير في خط متواز تعمل على إفساد الأخلاق وتنخر في جسد الأمة وأبرزها آفة /الظلم/ التي دعت كل الرسالات السماوية إلى تحريمها، كون الظُّلم ظلمات يوم القيامة، وأشرف تلك المحرمات ما جاء عن رسول الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام //يَا عِبَادي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسي وجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا//. الظلم إذا ما شاع في الأُمَّة فهو يؤدي إلى الهاوية، فكم من بيوتٍ عامرة، وكم من قصورٍ شامِخة تهدَّمتْ بسبب الظلم، فبسبب انتِشار الظلم أحاط بنا الشَّقاء ونزلت بنا المصائب والمِحن، يعرف العلماء وخبراء النفس معنى الظُّلم بأنه مُجاوزة الحدود التي شرعها الله - عزَّ وجلَّ - والتَّطاوُلُ على الحرمات التي قدَّسها ربُّ الأرْباب؛ فتعْذيب المسلم ظُلْم، وسرِقةُ ماله ظُلْم، وقَذْفُ نسائِه ظلم، وقتْلُه ظُلْم، فالظالم حسابه عند الله أكبر لقوله تعالى //وسيَعْلَم الَّذين ظلَموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون/. كثير من ضحايا الظلم يقبعون في السجون دون رحمة يرجون الله أن يرفع الغمة التي ابتليت بها ديار الإسلام، وهو ما تتجسد معالمه أمام أعيننا في العديد من بؤر الفساد المنتتشرة في أوطاننا العربية والإسلامية، فكيف يقدِّس الله أُمَّة لا يؤْخَذ من شديدِهم لضعيفِهم؟! وكيف يقدِّس الله أمَّة لا تُحترم فيها الكرامات، لا تُصان فيها الأعراض والأنساب؟! كيف يقدِّس الله أمَّة تُسفك فيها الدِّماء، ويتَّهم فيها البريء، ويبرَّأ فيها الظَّالم؟! أمَّة بهذه الأخلاقيَّات الفاسدة محكومٌ عليها في الدّنيا بالدَّمار، ومَحكوم على أفرادِها من أهل الظُّلم في الآخرة بالنَّار. من القصص الخالدة التي سجلتها كتُب السِّيرة والتَّاريخ ولم تمحُ من الذاكرة تلك التي تحدثت عن خالد بنَ يَحيى البرمكي لمَّا نكب، وكان وزيرًا، سُجِن هو وابنه، ولمَّا كانا في السّجن، وهما مصفَّدان مغلولان مقْهوران مأْسوران، قال الابن لأبيه: يا أبتِ، بعد العزِّ أصبحْنا في القَيد والحبْس، بعْد الأمْرِ والنَّهي صِرْنا إلى هذا الحال! فقال: يا بُنَيَّ, دعوة مظلوم سرت بلَيْل, ونحن عنها غافلون, ولم يغفل الله عنْها. اضطررت إلى نكش هذا الموضوع لأننا أصحاب ضمائر متيقضة نرفض الظلم، ونستنكر ما يتعرض له إخواننا في دول عربية من إبادة وحشية تفرضها زمرة حاكمة استحكموا برقاب البشر، فلا خلاف أن الأوضاع الجارية في بلاد المسلمين يندى لها الجبين، فالدّماء المباحة لا حُرمة لها والموت بالجملة، ضحايا التَّفجيرات على مدار السَّاعة ليلاً ونهارًا، علنًا وجهارًا، في الأسواق وفي المدارس والجامعات، نسف البيوت وتفْخيخها ثمَّ تفْجيرها على ساكِنيها، قتْل السجناء وتصْفيتهم إثر التَّعذيب وبأحدَث الطُّرق. حُرمة المسلم أصبحتْ لا قيمةَ لها، حُرمة المسلم أصبحتْ سِلْعة رخيصة في الأسواق، أحقادٌ وأضغانٌ يصل مداها إلى درجةٍ يغيب فيها الضَّمير وتنعدمُ الإنْسانيَّة، فلا نفكِّرُ إلا بلحظاتِ انتقامٍ وُلِدَت في ساعةٍ من غيابِ التَّقوى من القلوب ومخافة الله في النفوس، أخذ فيها الضمير مأخذه المتواري عن الأنظار وتراجعَ صاحبه عما اقترفَت يداه والجرمُ الكبير، والخطيئةُ الشنعاء اللُّجوء لهذا الفعل لمجرد الانتقام .. الُّلجوء إلى تدمير الأنفس وقتلِها لإشباع رغبةٍ مريضة. نسألُ الله أن يؤمِّن المسلمين في أوطانهم، وألاَّ يُسلِّط عليهم عدوًّا من غير أنفُسِهم. وسلامتكم