17 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف نؤلف الكتاب

27 سبتمبر 2015

خلال خمسة وأربعين عاماً من رحلتي مع القراءة واقتناء الكتب، صادفتُ أنماطاً عديدة من الكتب المختلفة، منها ما كان تعليمياً، بقصد تعليم الطلاب في المدارس والجامعات، ومنها ما كان إبداعياً (تسلوياً) – من تسلية - مثل القصص والروايات والسير الذاتية، ومنها ما كان يبعث السأم والملل لأنك لا تستطيع تصنيفه ضمن أي شكل من أشكال الكتابة.وفي الحقيقة، فإن أي كاتب يريد وضع كتاب في أي تخصص عليه أن يلتفت إلى الآتي:1- ما هو هدف الكتاب؟ فالرواية أو القصة قد لا تحملان أي هدف سوى إمتاع وتسلية القارئ، وهنا يتأكد "تحرر" الكاتب من أي ضغوطات يفرضها هدف الكتاب. ولكننا قرأنا كتباً اعتبرت مثل المذكرات ولكأنها "تأهيل" أو "تزكية" لأصحابها للوصول إلى ترقية في العمل، أو لإقناع المدير بأن هذا الموظف مبدع وبالتالي يستحق الترقية. ويُستحسن في الكتاب ألا يكون إعلاناً عن المؤلف. كما أن الأمانة العلمية واحترام عقلية القارئ من الأمور المهمة التي يجب الالتفات إليها قبل وضع الكتاب. ولا يجوز للكاتب - الذي يضع هدفاً خلف إصدار الكتاب – أن يُرضخ أو "يُطوّع" فصول الكتاب لتحقيق ذاك الهدف، وهذا ما يُلجئه إلى احتمال التزوير أو القفز على الحقيقة، لأنه وقع تحت وطأة هدف الكتاب. ومثل هذه الكتب لا تعمّر طويلاً. ولقد قرأنا بعض الروايات التي حملت هذا المضمون، بل و"اصطادت" القارئ بعناوينها الجاذبة، والخادعة للقارئ!.2- الوحدة الموضوعية: إذ لا يجوز أن يلجأ الكاتب إلى "تجميع" نصوص مبعثرة على مدى سنوات عمره، ويجمعها في كتاب دون أن تكون فيها وحدة موضوعية! مهما كان العنوان ملفتاً وأنيقاً وجاذباً، لأن التعويل يكون على المتن لا العنوان. فمثلاً ليس من المنطقي أن يضع أحدهم كتاباً عن (العمارة في الخليج)، ويقوم بإقحام فصلين أو أكثر عن ارتياد الفضاء أو مخرجات التعليم أو التمريض؟ فهذا يخل بالأسس العلمية لوضع الكتب. ولا يجوز أن نستخدم العنوان كـ(فخ) للإيقاع بالقارئ، وإيهامه بصدقية المتن. 3- حسن التبويب والصياغة: أحياناً يقع الكاتب تحت تأثير ضغط الوقت، مع إلحاح الهدف، ويجد نفسه تائهاً بين فصول مبعثرة لا يستطيع جمعها، فيلجأ إلى محرر (Editor) يقوم بعملية الجمع تلك. وهنا تتضح لغة ومفردات المحرر، وتتلاشى اللغة الأصلية للكاتب، صاحب الكتاب. ويعني التبويب سلامة وضع الفصول. فقد تكون ذات تسلسل زمني (Chronological Order)، أو تسلسل مكاني (Places Order) أو تسلسل حدثي (Eventual Order)، وليس من المفيد أن ينتهي الكاتب – في الفصل الثاني من الكتاب – من موضوع معين، ثم يعود لذات الموضوع في الفصل العاشر أو السادس عشر! أما الصياغة فتعتمد على اللغة الصالحة لذات الموضوع. إن لغة كتاب التعليم تختلف تمام الاختلاف عن لغة الرواية أو القصة أو كتاب الرحلات. فنحن في الرواية أو القصة نُجنّح على أجنحة الخيال، ونبتعد عن اللغة الصارمة، الشارحة للحادثة السياسية أو الموقف الاجتماعي أو لغة القانون. أما الكتب ذات المواضيع الجادة والتي تبحث في الحقائق التاريخية أو الأحداث أو تلك المتعلقة بالتراث المادي، فلا يمكن أن ندخلها مدارات البديع والبيان والخيال، بل تكون لغتها سليمة وراقية ودالة على حقيقة الموقف ؛ وألا تحمل " مثلبة المواربة" أو النفاق الاجتماعي أو تجميل الصورة غير الجميلة، وهنا أيضاً يلحُّ هدف الكتاب على الكاتب، إن ذكاء القارئ لن يخذله في اكتشاف "جنوح" الكاتب وإيهامه ومحاولته الكذب عليه!.وهذا يقّربنا من فضيلة الحقيقة التي لابد وأن يسعى إليها الكاتب، وضمن التبويب والصياغة تأتي الاقتباسات، ولا يجوز أن يغرق الكاتب في بحر الاقتباسات التي تطغى على كلام الكاتب! وكذلك وضع الهوامش المعروفة علمياً إن كان الكاتب يحقق في قضية معينة. 4- شكل الكتاب: هنالك كثيرون ممن أصدروا كتباً لم يهتموا بالشكل العام للكتاب من حيث (القطع) أي حجم الكتاب، ونوعية الورق، وحسن تصميم الغلاف الدال على الموضوع، والفهرسة، والمصادر، وبنط الكلمات، وغيرها. ولقد شاهدت كتباً تنتمي إلى الرواية، لكن ورقها بحجم (150 ملج) أو أن يكون الورق مصقولاً، وغلاف الكتاب بحجم (300ملج). بل صدرت روايات بحجم (23/16 سم) وهذا النوع من القطع (الحجم) يصلح للكتب التعليمية والدراسات النقدية والألبومات الدعائية، وليس للكتب الإبداعية. كما قرأت كُتباً مبعثرة دون عناوين واضحة، أو أن الكاتب يحشر عدة عناوين ليس لها علاقة بالنص ولا يلتفت للمساحات، فيقوم بترك أنصاف الصفحات وينتقل إلى صفحة أخرى حتى تكثر صفحات الكتاب، أو أن نقرأ الكتاب مرة واحدة حتى نلاحظ (انسلال) الورق نتيجة عدم دقة التغليف أو ربط الصفحات.الكتاب هو ذاكرة الأمة، وهو سوف يعيش للأبد، فلابد لهذه الذاكرة أن تكون صادقة ونقية، تهدف إلى الصالح العام، وإمتاع القارئ وإعلامه بفكر الكاتب، سواء قبله القارئ أم رفضه. والكاتب هنا لابد وأن يلتزم بالضوابط ومجموعة القيم (Codes Of Ethics) التي تُحدد نُبل التأليف أو حتى الجمع، وألا يكون تحت أي تأثير يحدد له المسارات، ويحيد به عن نُبل الكتابة الراقية.