18 سبتمبر 2025

تسجيل

السياسة الأمريكية والمسألة المصرية

27 سبتمبر 2013

لا تزال السياسة الأمريكية قيد التداول (والاضطراب) بشأن الموقف الحقيقي مما يجري في مصر، حتى قيل إن غموضها يدفع بها -ظاهريا على الأقل -إلى مواطن الشبهات دائما –خاصة في الفترة الأخيرة من عمر ثورة يناير، حيث إعلام الفرقاء يتبادل الهجوم عليها، حتى أصبح الهجوم عليها هو الأمر المتفق عليه في مصر. وإذا كان طرفا الصراع الجاري قد وجه كل منهما الاتهامات للولايات المتحدة بالانحياز للطرف الآخر، فإن الخبراء الاستراتيجيين ما انفكوا يرددون المقولة الخالدة والقاعدة الأساسية في تحديد السياسة الخارجية للدول، وهي أن الولايات المتحدة منحازة لمصالحها وليس لطرف من الأطراف، لا تنحاز إلا وفق مقتضيات تلك المصالح لا غيرها. السؤال الحقيقي ليس هو: إلى من تنحاز الولايات المتحدة، ولكن السؤال هو: ما هي المصالح الأمريكية في مصر وتجاه مصر؟ أو ما هي أهداف الولايات المتحدة في مصر؟ أو ما هي الأطر والأفكار العامة الحاكمة للسلوك والمواقف الأمريكية تجاه مصر؟ وواقع الحال أن السؤال يحتاج إلى نمط عميق من الإجابات المطولة والمشروحة والاختصار مخل فيه. وما يمكن قوله، هو أن الغرب والولايات المتحدة على رأس قيادته، هو الأكثر فهما ودراية وإدراكا لمصر وبمصر داخليا وعلى صعيد دورها في الإقليم. وإن الولايات المتحدة والغرب انتقلا من موقف العداء من مصر ودورها في الستينيات إلى موقف التعاون الاقتصادي والسياسي والإقليمي خلال مرحلة ما بعد كامب، والأهم أن الغرب والولايات المتحدة قد أحدثا تغييرا في إستراتيجيتهم للتعامل مع مصر خلال المرحلة الأخيرة. خلال حكم السادات حددت أمريكا أهدافها في تطويع المواقف المصرية ونقل القاطرة المصرية من مقدمة القطار العربي والإقليمي، إلى مؤخرة القطار لتلعب مصر دورا في تطويع الإرادة العربية فتحولت من قيادة حركة الاستقلال والتحرر وممارسة الدعاية والحرب ضد إسرائيل والغرب – والارتباط بالقطب السوفيتي خلال الحرب الباردة - إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتبني مواقف مساندة للاستراتيجيات الغربية في الإقليم وجر الموقف العربي كله باتجاه التسوية الشاملة مع إسرائيل وفق اتفاقيات سلام (أوسلو ووادي عربة بعد كامب ديفيد). ويبدو أن البعض توقف في التفكير في الموقف الأمريكي والغربي عند تلك المرحلة، ولا يدرك –أو لا يريد أن يدرك – أن تلك المرحلة انقضت مع نزول القوات الأمريكية على أرض الإقليم (في العراق)، وأن العرب ونظامهم الرسمي لم يعودوا فاعلين أو أصحاب دور إقليمي مؤثر، وأن الغرب قد تمكن من إضعاف وتفكيك الموقف العربي والأوضاع الداخلية في الدول ولم تعد هناك جيوش قادرة على مواجهة إسرائيل أو تهددها، بل لم تعد تلك الدول والمجتمعات منشغلة لا بالنظام الدولي ولا بإسرائيل ولا حتى بالبعد العربي والنظام العربي، وبالتالي لم يعد الغرب ينظر لهذا الدور الوظيفي لمصر على النحو السابق. في المرحلة الأخيرة بات التعامل مع مصر متعلقا بحدود مصر وما في داخلها، وإن بقي شيء يهم الغرب في التعامل مع مصر إقليميا فالأمر لا يزيد على تأمين حدود إسرائيل، وبالأحرى ألا تؤثر الأحداث الداخلية في مصر على أمن إسرائيل. بل إن أمريكا والغرب لم يعودوا يريدون لمصر دورا إقليميا باعتبار أن مصالح أمنها القومي تدفعها لحشد الإقليم حولها ومنع تفكك دول جوارها على الأقل. السياسة الأمريكية تجاه مصر هي سياسة تسعى لتفعيل عوامل الضعف والانقسام والاضطراب الداخلي ومنع وقوف مصر على أقدامها. وهذا هو المعيار للقياس في الإجابة عن السؤال: من يخدم مصالح أمريكا وأهدافها في مصر، وكيف نفهم حالة الغموض والتأرجح الجارية في المواقف الأمريكية. وما هي حقيقة مواقف أوباما والكونجرس تجاه ما يجري في مصر؟.