07 أكتوبر 2025

تسجيل

هوس الهوية

27 أغسطس 2020

هناك هوس يجتاح المجتمع اسمه "هوس الهوية" منتديات ومحاضرات ومؤتمرات باسم الهوية، الهوية القطرية وكيف نحافظ عليها؟ هذا الهوس في اعتقادي يطمس أسئلة مهمة لا يمكن الولوج في مبحث الهوية دون مقاربتها وفهمها. الحديث عن الهوية كما يُطرح اليوم في الندوات والمحاضرات، حديث غير ذي معنى، حديث مجرد وليست له دلالة واضحة، بل له آثار سلبية بل إنني أعتقد جازماً بأن أزمة الحصار هي أزمة هوية بالدرجة الأولى. أزمة هوية مجردة متخيلة وليس لها وجود متحقق في الواقع؛ لأنهم ليسوا مواطنين إلا بقدر انخراطهم في هوية النظام ؛ لذلك عندما نطرح الهوية من غير جذرها الحقيقي تتحول إلى أداة قتل وليس مدخلاً لحوار أو لتفاهم. مشاكل أمتنا العربية تتأتى من اعتقادنا بأن هناك حوارا بين الهويات وهذا خطأ واضح، الهويات لا تتحاور ما لم يسبقها وجود لمفهوم المواطن، فالحوار يتم بين مواطن ومواطن آخر، بين مواطن ليبرالي أو علماني ومواطن إسلامي أو سلفي، ولكن لا يتم بين علماني وسلفي أو بين ليبرالي وإسلامي، تصبح الهوية وطنا منغلقا يرى في المختلف تهديداً وخطراً عليه، لذلك قبل هوس الهوية نحتاج إلى هوس المواطنة وهوس الحرية داخل الدولة حتى يمكن بعد ذلك أن تُطرح مسألة الهوية، بدون ذلك حينما نطرح الهوية القطرية؛ فنحن أمام قطري قديم وقطري جديد وقطري بالجنسية وقطري بالوثيقة، وندخل في صراع، وقطري شيعي وقطري سني بعد ذلك. نحن بحاجة إلى وعي بالدولة قبل الوعي بالهوية، لذلك أتمنى الخروج من هوس الهوية والتركيز على بناء توافق يصبح أساسا للهوية القطرية الوطنية. كل عام أحضر أكثر من ملتقى عن الهوية والخوف عليها وكيفية المحافظة عليها لماذا ؛ لأنها طائر ليس له وكر يعود ويقف عليه، نعاني من طرح أسئلة في غير وقتها، سؤال الهوية في اعتقادي فخ وسجن قبل سؤال المواطن داخل دولة المواطنة، حواراتنا لا تتفق على إجابات ولا على حلول. القوميون والإسلاميون والليبراليون والمحافظون، والحداثة والتقليد، كلها مشاريع لحوارات أرهقت الأمة وتتكرر كل عام، يتحاورون بهوياتهم وليس كمواطنين، فيصبح الاختلاف خلافا، وتبعد الشقة عاماً بعد آخر. أنا أدعو كما ذكرت إلى طرح أسئلة تجعل من الهوية شيئاً مشتركاً داخل الوطن وخارجه؛ ولا يتحقق ذلك إلا بمقاربة سؤال المواطنة والحرية داخل الدولة. ليس هذا قصراً على قطر ولكن معظم دولنا العربية منخرطة بلا وعي في سؤال الهوية، سؤال الهوية قبل سؤال المواطنة ضرب من الوعي الزائف، أرجو أن تعي ذلك مؤسساتنا الثقافية والتعليمية لأنها جزء من طرح سؤال الهوية وهو سؤال مغرٍ ويستفز الإنسان خاصة ؛ إن الإنسان العربي بصفة عامة يعاني من التهميش وليس له من حياته سوى الهوية، ولكن الحقيقة تقول إن الهوية حتى تكون فاعلة وإنسانية ومحايدة لابد لها من جذر مشترك هو المواطنة وإلا تحولت إلى هوية قاتلة.