12 سبتمبر 2025

تسجيل

تدوير الكتب المقروءة

27 أغسطس 2014

خلافاً لما استقرّ في أذهاننا منذ الصغر من أنّ "الكتاب لا يُهدى ولا يقدَّر بثمن"، أو أنّ إعارته شيء غير مُحبَّذ، يصل إلى حدّ جَلب العار لصاحبه، كما قال الشاعر: ألا يا مُستعيرَ الكُتْبِ دعني * * فإن إعارتي للكُتبِ عارُ ومحبوبي من الدنيا كتابٌ * * وهل أبصرتَ محبوباً يعارُخلافا لذلك؛ فإن التفكير بطريقة معاكسة قد يكون هو الأصحّ والأولى، ونقصد بذلك تدوير الكتب المقروءة من قبل الأشخاص والجهات لصالح أشخاص آخرين، تشجيعا على المطالعة، وإسهاما في نشر المعرفة، أو لتمكين من لا يمتلكون أثمان الكتب من القراءة والإطلاع.وقد أعجبني على مستوى الأفراد أنّ أحد العلماء والباحثين اعتاد أن يهدي الكتب التي ينتهي من قراءتها مباشرة، دون أن تكون لديه مكتبة كبيرة، كما جرت العادة، كما أعجبني ما قامت به السيدة هناء الرملي من الأردن حينما تبرعت بـ 700 كتاب بين قصص وكتب تعليمية لصالح أحد المخيمات لتكون نواة مكتبة مُعتَبرة فيه، بعد أن كبر أولادها وودعوا طفولتهم، ثم لتصبح هذه السيدة في عام 2009 صاحبة فكرة ومؤسسة لإحدى المبادرات التي تصبّ في تعميم نشر الكتب، وبخاصة للأطفال، من خلال إقامة المكتبات، وتنظيم الفعاليات المختلفة التي تخدم هذا التوجّه.وقد كنت مطلع الشهر الجاري أقرأ في رواية أدبية أثناء زيارتي الأخيرة لتركيا، فطلب مني أحد الشباب المثقفين الاطلاع عليها بعد الانتهاء منها، فأهديته إياها، فور الفراغ من مطالعتها، انسجاما مع ما ذكرته آنفا، فغمرتني سعادة بالغة، خصوصا أنه في بلد قد لا تصلهُ الكتب العربية بسهولة. أما على مستوى الجهات والتجمعات وأغلبها تطوعية شبابية فهناك مبادرات كثيرة تسهم في هذا الاتجاه، منها على سبيل المثال لا الحصر " كتابي كتابك" وهي أردنية ثم توسع نطاق نشاطها إلى دول أخرى، وهي تعمل على تجميع الكتب المناسبة لفئة الأطفال والناشئين من الأفراد ودور النشر والمكتبات لإنشاء مكتبات عامة لهم في المخيمات والأحياء الفقيرة، دون أن تقبل بتلقي دعم مادي، ومبادرة " كلنا نقرأ" في البحرين وهي منظمة شبابية تهدف إلى نشر ثقافة القراءة بين عموم الناس، وغرسها لدى الناشئة والأطفال، من خلال برامج وأنشطة وفعاليات مستمرة، بالتعاون مع الجهات المعنية، ومبادرة: "كتاب من القلب إلى القلب" التي أطلقتها العام الماضي دار نشر سورية لجمع أكبر عدد من كتب أطفال التي لم يعودوا بحاجة لها، أو انتهوا من قراءتها، أو صارت فوق مستواهم العمري من خلال جناح مخصص بمعارض الكتب الدولية لإيصالها إلى أطفال سوريا المحاصرين، أو إلى المهجّرين في المخيمات. يرمي المقال إذن إلى تشجيع السلوك الفردي والتطوعي الجماعي الذي يسهم في تدوير الكتب المقروءة أو المستخدمة، منذ الصغر، من أجل تشجيع القراءة وتحبيب المطالعة ونشر المعرفة، واجتراح الأفكار والأساليب والمبادرات والمشاريع والأنشطة التي تخدم هذه التوجه على مستوى الأفراد والأسر والمدارس والجامعات والأحياء والنوادي.. وتسويقها والتوعية بها وحفزها وتأطيرها. ونورد فيما يلي أهم هذه الأفكار والأساليب التي تلخص ما سبق ذكره وتورد بعض جال في الذهن وتم تذكّره من أفكار أخرى: ـ إهداءات الكتب المقروءة بين الأصدقاء والزملاء، أو من أشخاص مقتدرين لأشخاص محدودي الدخل مباشرة أو خلال قنوات ومبادرات.ـ إهداء الكتب التي لم يعد الشخص أو الأسرة بحاجة إليها إلى أشخاص أو أسر أخرى بحاجة لها (كتب الأطفال لأسرة أصبح أولادها شبابا إلى أسرة لديها أطفال أو لمكتبة مدرسة أو مخيم). ـ تشجيع الطلاب على إقامة مكتبات في مدارسهم من الكتب المقروءة أو الفائضة أو المكررة عند أسرهم وأقاربهم.ـ تشجيع تبادل الكتب المقروءة، وإقامة الفعاليات القرائية في الحدائق والمجمعات والنوادي والمدارس، للكبار والصغار، بحيث يتبادل القراء كتبهم المقروءة ويقومون بمطالعتها. ـ استقبال الكتب المستخدمة من الجمهور في معارض الكتاب والمهرجانات الخيرية والفعاليات الثقافية وتوجيهها للشرائح التي هي بحاجة إليها، وإقامة مكتبات لهم. ـ قيام الأشخاص بالتوصية بمكتباتهم الخاصة، لتحويلها إلى مكتبات عامة أو إهدائها لمكتبات عامة في حياتهم أو بعد موتهم، وتسجيلها باسم المتبرع بها تكريما له. ـ استثمار الإنترنت وشبكات التواصل وسائل الإعلام الجماهيرية لتشجيع التبرع والتطوع لخدمة هذا الجانب، وتسويق أفكاره. ولاشك أن المجال مفتوح لاجتراح المزيد من الأفكار والطرق التي تنشر هذا الخير وتعممه.ورغم ظهور الكتب الإلكترونية إلا أن الدعوة لتدوير المعرفة من خلال الكتب المطبوعة المستخدمة، ستظل الحاجة قائمة إليها لسببين الأول: أهمية التعود على المطالعة بالكتب المطبوعة نظرا للذة المرتبطة بها، والآخر: أن عالم وسائل الاتصال المسموعة والمرئية والإلكترونية وإصداراتها لم تستطع إلغاء المقروء كتبا ومجلات وصحفا رغم مرور عشرات السنين.