03 أكتوبر 2025
تسجيلقبل وفاته كَتَبَ الكاتب السوري الأصل الألماني الجنسية نائل البلعاوي مقالة يقول فيها: لم أسمع حتى هذه اللحظة من يقول: شكراً للحكومة على هذا الأداء البارع، لا في النمسا ولا في جارتها الكبيرة ألمانيا، على اعتبار أن الجارتين قد حققتا إنجازاً لافتاً خلال الأيام الماضية في الحرب المفتوحة ضد الوباء. لا أحد يقول شكراً لميركل مستشارة ألمانيا، أو سيباستيان كورتز رئيس الحكومة النمساوية، ولا أحد يمدح "القيادة الحكيمة" للمرحلة الحرجة، وأقصى ما يمكن أن يقوله النمساوي أو الألماني تعليقاً على النتائج الجميلة التي تحققت في البلدين: "لقد قامت الحكومة بما عليها أن تقوم به"؛ أو "يبدو أن الإجراءات التي اتخذوها كانت صحيحة". اليوم؛ قلت لصديق نمساوي هاتفياً: أعجبتني الحرفية العالية لحكومة كورتز خلال الأزمة، فأجاب: هذا دورها المنتظر، وإن لم تحققه فعليها أن ترحل، فقلت له: ألا تستحق الشكر على ذلك ؟! فرد علي: لا، ولماذا نشكرها؟ كورتز وأعضاء حكومته يتقاضون أجوراً شهرية عالية للقيام بمثل هذه الأدوار، وفي مثل هذه الأزمات تحديداً؛ لقد وُجدوا في مناصبهم لأجل هذا بالضبط، هم يعملون على خدمتنا يا صديقي، هذا شغلهم! قلت له: أعرف، ولكن "شكراً" صغيرة لا تعني الشيء الكثير. فقال: "شكراً" تعني أن الحكومة قد قدمت هدية من عندها لنا، وهذا غير صحيح، فلو شكرناها فعلينا أن ننحني أمامها غداً ونردد مثل القطيع: شكراً لكم على كل شيء تقومون به أو لا تقومون به. عند نهاية المكالمة أخبرته بأنني سأكتب نصاً عن الكيفية التي تتم عبرها صناعة ثقافة العبودية وتحويل (القادة) إلى آلهة، وأن شكراً الصغيرة هذه هي فاتحة جيدة لقراءة كتاب الاستبداد الكبير والكريه. "انتهت المقالة". وهنا يكمن سر تخلفنا كمجتمعات ودول عربية، فلطالما ردحت وتغنّت الشعوب العربية في أقل حق من حقوقها تقوم بتنفيذه أشرف وأنقى حكومة عربية بمقياس مستوى الحكومات العربية الفاسدة والمستبدة والمتخلفة منذ تأسيس هذه الدول، وليت ردات فعل هذه الشعوب على شكل "شكراً الكبيرة أو الصغيرة"، بل وصل إلى تمجيدها ووصفها بأنها حققت المعجزات للوصول إلى طموح وتطلعات مواطنيها!! خلال الأشهر الماضية حدثت في بلادي قطر عدد من الأخطاء التي لا تُغتفر، كأن يسيء مسؤول كبير لاستخدام سلطاته ويختلس مبالغ خيالية، أو أن يمارس آخر صلاحيات منصبه لينتفع وينفع أبناءه وأقاربه وأصدقاءه، ويقصي ويستبعد من له حق في التوظيف، أو أن يصدر قرار من وزارة سيادية أخرى تمنع من خلاله عودة المواطن لوطنه دون أخذ موافقة مسبقة ومساواته بالأجنبي الزائر، كل هذه التجاوزات تحدث في أقل من 3 شهور دون أن نرى مسؤولاً يتحمل المسؤولية أو يتحلى بالشجاعة ويقدم استقالته احتراماً لوطنه وشعبه!! وطالما أننا شعوبٌ لا تملك ثقافة معرفة الحقوق والواجبات، وما هي الحقوق التي يجب على الحكومة تنفيذها بكل تفاصيلها، فلا ننتظر من هذه الحكومات أن تُخلص في عطائها، وبالتالي فهم لا يعنيهم أن نقول لهم: شكراً الكبيرة ولا الصغيرة!! فاصلة أخيرة نتطلع لمجلس شورى على الأقل يرفع من سقف طموحات وتطلعات المواطن، ويزيل عن أعينهم غشاوة الفكر القديم المتمحور حول المدح والثناء على أمر يتوجّب على الحكومة تنفيذه، نريده مجلساً تحسب له السلطة التنفيذية ألف حساب، على رأس أولياته خدمة المواطن وتحقيق كافة مطالبه وحقوقه!! [email protected]