14 سبتمبر 2025
تسجيلقال الأديب الرافعي رحمه الله تعالى: إن الله تعالى أخذ اللذات من أفواه الأغنياء ووضعها في عيون الفقراء.إن من أخلاق الضعة التي رمانا بها الاستعمار قديماً – رمتني بدائها وانسلت – الشره في طلب اللذائذ، والرغبة في الراحة دون عمل، كن فضولياً واركب ساقيك في أي ساعة من ساعات الذروة والسعي في طلب الرزق وسترى العجب في المكاتب والدوائر والمحلات والشوارع، سترى من يبحث عن نيل المغنم القريب من غير مغرم يبذل، وقعود الهمم عن الآمال العراض مع إدمان للشهوات.ذهبت إلى جامعة من الجامعات لتقديم أوراقي لنيل درجة الدكتوراه وكانت الساعة بعد التاسعة صباحاً فلم أجد من أكلمه إلا مدير أو سكرتير مدير مكتب الجامعة فقلت له: أين الموظف المسؤول؟ فرد قائلاً: ذهب للفطور، وانتظرت جالساً أو واقفاً حتى العاشرة والنصف فلم يأتِ الموظف وعندها قلت للسكرتير: اسمح لي بالدخول على المدير، فقال: آسف إن المدير قد خرج! وبقيت على هذا المنوال ثلاثة أيام حسوما لم أستطع فيها مقابلة السيد المدير ولا من ينوب عنه ولم يتصدق علي موظف ويأخذ مني الأوراق، فاضطررت إلى تقديمها في جامعة أخرى وقد لقنت درساً في قيمة الوقت والتفاني في حب العمل فكنت أنتظر حتى الساعة الثالثة عصراً.لم يغادر المحتل بلادنا- عسكرياً - حتى يسر للعام والخاص، الأمي والمثقف، من يقرأ ومن لا يقرأ على السواء، يسر لنا الرتع في الدنايا فانتشرت حانات الخمور في الكثير من بلاد المسلمين، في كل مدينة وحيِّ من أحياء المدن بل قد رأيت في بعض بلاد المسلمين أن في كل زقاق أكثر من حانة وأكثر من دار خنا، فأبيح البغاء وشرعت القوانين لحمايته واحمرت الليالي أكثر أيام السنة بالسهر الماجن والعبث الرخيص وألوان الإثم والبغي التي يفتن فيها الفارغون كل ذلك بعد أن طمس الاحتلال الأجنبي معالم الفضيلة والدين الحق وترك الناس لا سراة لهم يموج بعضهم في بعض وهذا هو الذي كان ولا يزال يبغيه (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) حتى يخلو الجو في البلاد- خلا لك الجو فبيضي واصفري- فينهب من خيرها ما يشاء، لقد أصبحوا عبيداً لشهواتهم أولاً وعبيداً له آخراً.إن معركة الإسلام مع المستعمر لم تبدأ حتى لا نقول لم تنته (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ) وتوشك أن تدور رحاها، ولن يستطيع المختالون في أزيائهم من الشباب الناعمين ولا المشغوفين بلذاتهم من حمل أعباء حماية الأديان والأوطان. الدين في بلاد المسلمين يعاني حرباً ضروساً من الجاهلين به والكائدين له من أمته المفرِّطة وأعدائه الحاقدين كي يزداد الشباب الحائر حيرة وكي تظل الأجيال موغلة في إضاعة الصلاة واتباع الشهوات.قد يطلب المقاتل وهو ذاهب إلى الموت أن يستمتع بالنساء قدر المستطاع بما يبيحه له دينه لكن الذي لا يفهم هو طلب الاستمتاع من غير وجهه، في الغرب لا سور يحول بينهم وبين ما يشتهون فرغبتهم في الاستجمام والترفيه بعد قد تفهم وإن كانوا قد ضلوا السبيل إليها سبل الحلال.لكن من لديه دين يرشده إلى السبيل الصحيح لماذا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ يستبدل الخبيث بالطيب.إن المسلم في أرض الإسلام يريد أن يوفر لنفسه من ألوان النعيم وصنوف المشتهيات ما لا نظير له في باريس ولندن ونيويورك، وما لم يطلبه لأنفسهم الرجال الذين فجروا الذرَّة واستعلوا سطح القمر، سبحان الله قاعد عاطل صفر العقل واليدين لاهمة له من الدنيا إلا أن يستجلب اللذائذ ويقتني من العقارات ما لم يحلم آينشتاين وأمثاله ممن أنهكتهم الأفكار والأشغال!إن هذه الحال من عشق الدنيا وزينتها أقوى الذرائع للفتك في كيان أمتنا المريض وهي حال يعزف الاستعمار القديم الجديد على وترها ويشجعها بعقلية اللص الخبيث إنه لا يهمه أن يتعامل مع مغفلين ذوي شهوات جامحة ونفوس نزقة.أمراض الرجولة وإسقاط مستواها وإهاجة الغرائز وتنمية الروح الحيواني الرابض في الدماء وتمريغ الإسلام وإسكات صوته وتجرئ الأجْرَاء من الكتَّاب والإعلاميين على سلقه بألسنة حداد.إن انهيار الرجولة في العالم الإسلامي أمام طوفان اللذات التي يبعث بها الغرب ويسخِّر أدوات لا تحـصى في خـدمتها ونـشـرها،هذا الانهيـار هو تأمين لعودة الاسـتعـمـار من جـديـد – إن هو ذهب – وما لم نستكبر على هذه الرغبات ونتبعفي شأنها تعاليم السماء (قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) إن لم نفعل ذلك فلن تصلح لنا حياة ولا حرية، ولن تسلم لنا كرامة أو عزة.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين