11 سبتمبر 2025

تسجيل

رمضان.. بأية حال عدت !

27 يوليو 2011

ونحن قاب قوسين أو أدنى من شهر رمضان المبارك تبدو الحال مختلفة هذا العام، فثمة روح تسري في جسم هذه الأمة تعبر عن لهفة شوقها للتغيير، وتقترن بحراك جماهيري عارم يترجم رغبتها إلى فعل حقيقي على الأرض من خلال المظاهرات والأشكال السلمية الأخرى، ويشدد على محورية دورها باعتبارها مصدر السلطات، وأخذ زمام المبادرة في رفضها للظلم بكافة أشكاله وأصنافه، واستعادة كرامتها وحقوقها المشروعة، والمساهمة في النهوض الحضاري المطلوب على المستوى الدولي. كانت البداية في تونس ثم مصر، ثم ما لبثت رياح التغيير أن امتدت وانتقلت إلى كل من ليبيا واليمن وسوريا التي يتواصل فيها الغليان ويتعاظم. ولأن رمضان شهر الصبر والمصابرة ، والجهاد والمجاهدة ، والرباط والمرابطة ، والتكافل والمرحمة بين أبناء الأمة، شهر الانتصار على شهوات النفس وما حرمه الله، وشهر الانتصارات المهمة عبر تاريخ الأمة بدءا من غزوة بدر ( يوم الفرقان ) التي كانت فرقانا بين الحق والباطل، فإنه وفقا لهذه المعاني يشكّل الموسم القادم رافعة مهمة للحراك الشعبي العربي الراهن، ويمنحه مزيدا من العون والتثبيت والدعم والمدد والتأييد، ويفتح له آفاقا مهمة من الأمل والثقة بوعد الله في حتمية الانتصار على الظلم ، وانبلاج فجر جديد تتحقق فيه أمانية الخيّرة، و" ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا" وبناء على ما سبق؛ فإنه لم يكن مستغربا أن تتحدث أبواق بعض الأنظمة التي تشهد دولها ثورات شعبية منذ عدة شهور عن عزم سلطاتها الحاكمة خلال الأيام القليلة الماضية تحقيق حسم ـ ولو كان في مخيلتها ـ على هذه الثورات يسبق الشهر الفضيل، وقد جاء ذلك متزامنا بالفعل مع تشديد قبضتها الأمنية وزيادة عملياتها العسكرية ضدها، وسعيها لافتعال وقائع يُشتمّ منها رغبتها في حرف بوصلتها السلمية، والإيحاء بوجود مخططات لافتعال فتن طائفية، لعلم هذه الأنظمة أن رمضان سيمنح الجماهير الثائرة طاقة إضافية ويجعل كل يوم من أيامها يوم جمعة، لتحشيد قواها الاحتجاجية صباح مساء ، والإشارة هنا إلى صلاة التراويح ، كما سيعزز وشائج التكاتف والتعاون والتكافل الاجتماعي، ليتجسد هذا في مزيد من مساعدة الجرحى والمصابين وأهالي الشهداء والمعتقلين، واللاجئين التي اضطرتهم الظروف للانتقال إلى دول مجاورة والعيش في حياة الخيام والمخيمات بعيدا عن الوطن أو مرابع الأهل والأحبة . ويضاف إلى ما سبق؛ أن رمضان بحكم نفحاته الروحية وأجوائه الإيمانية سيزيد من اقتراب الناس من ربهم وتمتين صلتهم بخالقهم، والتعرض لمزيد من أوقات إجابة الدعاء وهو سلاح أمضى من أي سلاح خصوصا قبيل الإفطار وفي ساعات السحر، ومعلوم أن للصائم دعوة لا ترد ، كما أن دعوة المظلوم "ليس بينها وبين الله حجاب"، وما أكثر من ظلموا وأهينوا وعذبوا وشردوا بسبب آرائهم وموافقهم ، فضلا عن أن الشهر الكريم سيكون بمثابة فرصة للتذكير بمصدر القوة الحقيقي، ألا وهي معية الله للضعفاء والمساكين ممن لا حول ولاقوة لهم، في مواجهة سطوة وجبروت السلطان وقوة بأسه، ورفع الروح المعنوية للمنتفضين وتوية عزائمهم. وللصومال وأخواتها كلمة أخرى. صورة أخرى لابد أن نستحضرها مع قرب إطلالة رمضان .. شهر تفطير الصائمين، والإحساس بالجوع وبالجياع والمحرومين مع صيام النهار الذي يمتنع فيه المسلم عن تناول الطعام. وكأن الصومال لا يكفيه ما يعانيه من اقتتال أهلي وانعدام في الأمن ولجوء للسكان فجاءت المجاعة التي سببها الجفاف والقحط لتزيد الطين بلّة ، وأدرجت مناطق منه ضمن دائرة المجاعة فعليا بحسب تقديرات منظمات أممية ومنظمة التعاون الإسلامي، وهناك أكثر من ثلاثة ملايين في دائرة الخطر، وأطفال في عمر الزهور يموتون تحت نظر أهليهم وذويهم . وللذين يوافيهم رمضان وهم ينعمون بالأمن والأمان والسكينة والاطمئنان ويجدون بحبوحة فيما ينفقون على موائدهم الرمضانية نقول تذكروا أهل الصومال وتذكروا الدول الأخرى التي نزلت بها الكوارث وحلت بدارها النكبات والدول التي تعيش ظروفا استثنائية بسبب الثورات أو الاحتلال كفلسطين واليمن وغيرها تذكروهم وأنتم على موائد الأفطار والسحور وكونوا عونا لهم ، فكثير منهم بحاجة إلى شربة ماء أو وجبة غذاء ليقاوم حتف المجاعات، ورداءة الأحوال. تذكروا أن رمضان شهر الخير والجود والعطاء تبرعوا لإفطار الصائمين وعون المحتاجين ، وأنقذوا الجياع والمحرومين، وأدخلوا السرور على قلوب الأطفال المنكوبين. وقد علمنا رسول الله في حديثه أنه لا يؤمن به صلى الله عليه وسلم : "من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به " والعرب والمسلمون كلهم أهلنا وجيراننا وعزوتنا ، فالله الله فيهم . تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات وكل عام وأنتم بخير .