20 سبتمبر 2025
تسجيللم تعد صورة روسيا هي نفسها بعد الثالث والعشرين من الشهر الجاري كما كانت عليه قبله، وهي التي اهتزت بشكل كبير في ظل تورطها بالوحل الأوكراني على مدى أكثر من عام ونيف بعد أن تعهدت بالقضاء على التمرد الأوكراني خلال 72 ساعة، وهي نفس المعزوفة التي عزفتها حين غزت سوريا عام 2015 حين تعهدت بالقضاء على الثورة السورية في غضون أربعة أشهر، ولكن حسابات الحقل الروسي لم تتفق مع حسابات البيدر السوري والأوكراني. صورة روسيا هذه المرة ذكّرت الجميع بأجواء ثورة 1917، وهو ما أشار إليه بوتين نفسه في خطابه الذي وصم زعيم مليشيات فاغنر يفجيني بريغوجين ذراعه العسكري الخارجي لسنوات بالخيانة العظمى والتمرد، وهو ما يستبطن حالة الخوف والقلق الروسية من وصول البلاد إلى أجواء شبيهة بأجواء 1917، خصوصاً مع الانهيارات العسكرية الروسية المتعاظمة في أوكرانيا، بعد تدمير الجيش الروسي للجسر، خشية من تقدم القوات الأوكرانية، مما يشي بمدى القلق والخوف الروسي من القوات الأوكرانية المدعومة اليوم من الحلف الغربي برمته. صورة روسيا الداخلية بعد تمرد يفجيني بريغوجين قائد مرتزقة فاغنر لم ولن تعد كما كانت عليه من قبل، فقد كانت حالة التمرد هذه بمثابة القشة التي قصمت ظهر الدب الروسي، ومهما قيل عن طبيعة الاتفاق بين بوتين وبريغوجين بوساطة رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو فإن شرخ الصورة قد حصل بشكل كبير، وهذا الشرخ حصل في صورة روسيا الداخلية وصورة روسيا الخارجية. حين يتمكن بريغوجين صاحب مليشيا مرتزقة مكونة من 25 ألف مقاتل بحسب اعترافه لأول مرة في تسجيله المنشور بعد حالة التمرد، حين يتمكن من السيطرة على مدينة روستوف الروسية التي تعد بوابة عبور الدعم اللوجستي للقوات الروسية باتجاه أوكرانيا، وحين تفشل مؤسسات ثاني أكبر دولة في العالم مع جيشها المهيأ لقتال جيوش عالمية في التصدي لمليشيات مرتزقة بحجم فاغنر، فإن هذا يكشف مدى هشاشة الدولة وجيشها لاسيما وهو الذي يقاتل على جبهة أوكرانيا، كما يشير بالتالي إلى فشل مؤسسات الدولة في القيام بواجبها، لتأتي مليشيات فاغنر وتقوم بدور الجيش في استعادة باخموت والقتال بديلاً عن الجيش. مليشيا فاغنر المنتشرة من سوريا إلى ليبيا فالسودان فأفريقيا الوسطى وتشاد ومالي وأمريكا اللاتينية، إنما هي قوة عسكرية خارجية للجيش الروسي لن تكون بعد اليوم محل ثقة بوتين، وبالتالي فإنها لم تعد تلك القوة الخشنة التي يعول عليها، إذ غدت بعد التمرد خارج الحسبة البوتينية، مما يستتبع تراجع الصورة الروسية، وسياستها الخارجية التي ارتكزت في السنوات الماضية على نهب ثروات مالي وتشاد والسودان وليبيا وسوريا. الأنظمة المستبدة التي وفرت لها فاغنر القوة العسكرية للحماية لن تكون كما كانت عليها، مما يعني حصول اهتزازات داخلية في هذه الدول، فضلاً عن توفير فرصة ربما لقوى إقليمية ودولية وعلى رأسها القوى الغربية التي تراجع نفوذها في هذه الدول، لتعود مجدداً إلى ساحاتها التي أزاحتها منها القوة الروسية، واليوم تزيح القوة الروسية نفسها بنفسها من هذه المناطق. روسيا اليوم المهمومة على جبهات داخلية وخارجية، أمام استحقاقات كثيرة، والأخطر من هذا كله أن الانقسام الداخلي يتعمق، والقيادة الروسية بحاجة لجهد استثنائي لاستعادة ثقتها وسط جمهورها، فإن استطاعت مليشيات من 25 ألف مقاتل على هزّ هيبة الدولة بهذا الشكل، وهددت بالسيطرة على موسكو، فهذا يعني أننا أمام فشل مؤسساتي، لاسيما وأن الرئيس بوتين الذي اتهم التمرد بالخيانة العظمى عاد خلال ساعات ليبرم اتفاقاً معه علناً، ويوفر له الحماية من الملاحقة..