14 سبتمبر 2025

تسجيل

مبدأ سابقة الفصل في الدعوى

27 يونيو 2022

يحمل الحكم القضائي الصادر بشأن نزاع معين قوة ثبوتية، وحجية في مواجهة أطرافه متى تحققت الشروط والاعتبارات التي نص عليها المشرع ضمن المادة 300 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهكذا متى فصل حكما قضائيا في موضوع حق معين، فإن ذلك الحكم يكون بمثابة القرار النهائي بشأن موضوعه، ولا يجوز لأطرافه اللجوء من جديد إلى القضاء من أجل استصدار حكم قضائي آخر عن نفس الحق، لأن ذلك من شأنه صدور حكمين متناقضين في نفس النزاع وبين نفس الأطراف، مما يصبح معه تنفيذهما مستحيلا. لذلك، فإذا عرض على القضاء نزاع سبق الفصل فيه بحكم قضائي قطعي بنفس الخصوم والموضوع والسبب حكمت المحكمة من تلقاء نفسها ودون حاجة لطلب الأطراف بعدم جواز نظرها للدعوى بسبب سابقة الفصل فيها، وقد حدد المشرع والفقه والعمل القضائي المعايير المعتمدة من أجل الدفع بسابقة الفصل والقضاء بعدم جواز النظر تبعا لذلك، وهذه المعايير يمكن إجمالها فيما يلي: أولا/ حيازة الحكم لقوة الأمر المقضي به: والمقصود من ذلك أن يكون الحكم الذي يحتج به للدفع بسابقة الفصل قد قضى في موضوع الحق المتنازع فيه، وأن يكون قطعيا وليس حكما تمهيديا، على سبيل المثال لا يجوز الاحتجاج بسابقة الفصل بالنسبة لحكم تمهيدي قضى بندب خبير لمعاينة موقع يتعلق بموضوع التداعي، لأن هذا الحكم غير حائز لقوة الأمر المقضي به، ولم يؤثر في المراكز القانونية للأطراف المتنازعة. كما لا يجوز الدفع بسابقة الفصل بالنسبة للأحكام ذات طابع مستعجل أو الأمور الوقتية، لأنها بمثابة قرارات ذات نفاذ مؤقت وليست حائزة قوة الأمر المقضي به، وكذلك هو الشأن بالنسبة للأحكام التي صدرت بالرفض على حالتها، لأن القضاء في هذا النوع من الأحكام لا يبت بصورة نهائية في موضوع التداعي، بل يرفض الدعوى لوجود علة حالة تمنع الحكم فيها مثل عدم كفاية أدلة الإثبات أو عجز المدعي عن سداد أمانة الخبرة، وإذا زالت تلك العلة أو استجد أمر معين جاز القضاء وفق الطلبات بحكم حائز الأمر المقضي به. وأيضا لا يجوز الدفع بسابقة الفصل بخصوص الأحكام القضائية التي صدرت بعدم القبول بناء على خلل إجرائي مرتبط بشكل الدعوى، لأن ذلك الحكم وقتئذ يكون قضى بت في الجانب الشكلي من الدعوى ولم ينظر موضوع التداعي، وبالتالي لا مجال لإعمال مبدأ سابقة الفصل، لكن بالنسبة للأحكام التي صدرت بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة أو المصلحة أو الأهلية في رافعها، فإنه لا يجوز سماع دعوى جديدة بشأنها لأن المحكمة تكون قد استنفذت ولايتها بشأن المراكز القانونية للخصوم. ثانيا/ وحدة الخصوم وصفاتهم: يشترط للحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل أن يكون أطراف الدعوى الجديدة هم نفس الخصوم الذين كانوا أطرافا في الدعوى السابقة وبنفس صفاتهم، وبمفهوم المخالفة إذا قام المدعي في الدعوى الجديدة بمقاضاة نفس الطرف الذي كان مدعى عليه في الدعوى السابقة وأضاف مدعى عليه جديد لا نكون أمام سابقة الفصل، وإذا كان نفس الأطراف في الدعوى الأولى هم نفس أطراف الدعوى الجديدة، ولكن مع اختلاف صفاتهم، بمعنى من كان مدعيا أصبح مدعى عليه والعكس صحيح، فإنه والحالة هاته لا مجال لانطباق قاعدة سابقة الفصل. ثالثا/ وحدة موضوع التداعي: والمقصود من ذلك أن تكون الدعويان قائمتين على نفس المحل، حتى ولو حدث تغيير أو تعديل بسيط على جزئياته، مثل أن يكون موضوع الطلبات في الدعوى الأولى يتعلق باستحقاق عقار معين ويكون موضوع الدعوى التالية طلب استحقاق نفس العقار مع المطالبة بتعويض مادي عن الأضرار، ففي هذه الحالة يكون للدعويين معا نفس المحل، وبالتالي يجوز الدفع بسابقة الفصل. رابعا/ وحدة السبب بين الدعوىيين: بمعنى أنه لا يجوز تقديم دعوى جديدة في نفس الموضوع بناء على نفس الأساس القانوني والواقعي الذي بنيت عليه الدعوى السابقة وإلا قضت المحكمة من تلقاء نفسها بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بحكم سابق. هذا وتجدر الإشارة إلى أن المعايير المذكورة بعاليه يجب أن تتحقق مجتمعة لإعمال مبدأ سابقة الفصل، لأنه لا يجوز الدفع بسابقة الفصل لمجرد اتحاد موضوع الخصومة مثلا دون تحقق شرط وحدة الخصوم والسبب.