12 سبتمبر 2025

تسجيل

(تكفون يا لابتي)

27 يونيو 2021

اعتلى المنصة الخشبية التي غطيت بالسجاد، وزينت أطرافها ببعض الورود، ووضع خلفها حائط خشبي ألصقت عليه اعلام الوطن وشعارات في حب الوطن وصور لزعماء الوطن، وقام بين اتباعه وأبناء عمومته مزهوا، يقف شامخا وممسكا بالميكروفون بيد ورافعاً الأخرى يلوح بها يمنة ويسرة، وقد علا صوته وانتفخت اوداجه من اثار حماسته في خطابه للحضور، وهذا كله يجري وبجانبه مفتاحه الانتخابي (المفتاح الانتخابي هو من يقوم بالترويج وكسب الأصوات والاتباع للناخب) الذي تكتك وخطط، فقد اتفق معه مسبقا على ادق التفاصيل فيما سيقول ويفعل، ومع نهاية خطبته العصماء حانت اللحظة الحاسمة التي سوف يلهب فيها المرشح مشاعر الحضور، فصرخ بعلو صوته "تكفون يا لابتي، تكفون يا لابتي، تكفون يا بني عمي، محزمي يا محزمي"، وبالفعل هاج الحضور وماج وبالأخص بعد ان رمى عقاله لهم، وهو عمل رمزي للجوء للعصبة والقبيلة عند الشدائد والمحن، وإشارة بأنه يلوذ بهم لنجدته، وفي هذه اللحظة بالذات ومع تفاعل الجماهير مع المرشح، صرخ المفتاح الانتخابي "أبشر والله ما نخليك، أبشر يا فلان بسعدك ولو على قص ارقابنا، لا تخلون ولدكم يا بني عمي". فتجاوب الحضور وقد أججت مشاعرهم وفارت نعرة العصبية في دمائهم، فقاموا يتصايحون "ابشر بسعدك، والله ما نخليك، ابشر بنا عند وجهك" وغيرها من عبارات التأييد والدعم والتأكيد على انهم جميعا خلف ابن عمهم المرشح للانتخابات، وانتهى المشهد بالمرشح مرفوعا على الاعناق والجميع "يتعزوى بالقبيلة"، أي يفاخر بقبيلته ومكانتها وأمجادها. عزيزي القارئ، ليس هذا سيناريو لقصة نسجت من الخيال، إنما هو أمر حدث فعلا في احدى الدول اثناء الانتخابات، وهو تكتيك من التكتيكات المختلفة التي يلجأ اليها المرشحون لكسب اكبر عدد من الأصوات الانتخابية، والحصول على الكرسي، وأنا هنا لا أقدح في أهمية القبيلة والعصبة لنا جميعا، فعندما تعرضت دولتنا الحبيبة الى الخطر كنا جميعا قطريين، تجمعنا قطر تحت لوائها، ولم يستطع احد ان يفرقنا، تكاتفنا وتعاضدنا والتففنا جميعا وراء القائد والقيادة، لقد كانت عزوتنا واحدة "كلنا قطر" "وانا قطري" "وقبيلتي قطر"، فكنا وما زلنا بإذن الله متحدين كالبنيان المرصوص، ولكن ومع اقتراب انتخابات مجلس الشورى في شهر أكتوبر القادم، وهي التجربة الأولى التي تعتبر بحق المحك الحقيقي للمشاركة الشعبية بدولتنا الحبيبة، يجب علينا ان نكون كما كنا دائما وأبدا نحرص على وحدة الصف ومصلحة الوطن، لا تؤثر فينا عصبيتنا للقبيلة او العائلة في التصويت للأكفأ والاقدر، فأصواتنا أمانة لاختيار الأفضل الذي يتجرد من مصلحة القبيلة والعائلة الى مصلحة الوطن والمواطن. وختاما أقول: ان عضو مجلس الشورى هو ممثل لجميع افراد الشعب، ولا ينبغي ان يتحيز لفئة او قبيلة او طائفة معينة من المواطنين، فيرجح مصالحهم الخاصة على المصالح العامة للمجتمع، فمصلحة المواطنين أمانة في عنقه، وعليه ان يعمل لما فيه خير وصلاح جميع القطريين دون استثناء. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة (رواه مسلم). @drAliAlnaimi