11 سبتمبر 2025

تسجيل

قطر التي في خاطري

27 يونيو 2018

عندما كنت فتىً يافعًا في أواخر السبعينيات لم يكن بوسع جيلنا أن يزور بلدان العالم بضغطة زر في حاسوب، ولم نعرف شيخًا ومستشارًا وباحثًا اسمه "جوجل"؛ فالبحث عن المعلومة كان مضنيًا، وكسب العلم والمعرفة كان يتطلب الصبر والشغف. في تلك الحقبة أرواحنا كانت ظامئة للارتواء من ماء الحقيقة الذي طلبناه في اليسارية والقومية فلم نجد إلا سرابًا خادعًا، وتقاذفتنا التيارات لشطآن مالحة يعلوها زَبَدٌ لا ترجى منه فائدة، لكن غيث الله أدركنا في أوائل الثمانينيات؛ حين عرفنا أن معين الحق الصافي الذي يروي الظامئين موجود في كتاب ربنا وسنة نبينا- صلى الله عليه وسلم-، لقد كنا حقًا كالعيس في البيداء يقتلها الظما    والماء فوق ظهورها محمول. تلك الصحوة الإسلامية والأوبة المباركة لله التي ذاقها جيلنا لم تكن تدينًا فرديًا ولا طقوسًا باردة، بل كانت روحًا تسري في شباب اكتشفوا أن الدين منهج حياة للفرد والمجتمع وسفينة نجاة للأمة بأسرها، تعززت هذه الروح لدى جيلنا بولادة مجلة قطرية؛ أصدرتها رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية لدولة قطر في غرّة محرم 1401هـ الموافق نوفمبر 1980م، إنها مجلة "الأمة" التي أدرك من قرأ افتتاحية عددها الأول أنها ليست مجلة دينية بالمعنى التقليدي، وأنها ليست منبرًا رسميًا أو بوقًا إعلاميا لوزارة أوقاف، لقد كانت بحق استثنائية في عنوانها ومحتواها واهتماماتها؛ مما جعلها عابرة لقطر إلى مشرق أمة الإسلام ومغربها. لقد تجاوزت الحدود المرسومة بين بلداننا، تلك الحدود التي ضاقت بها أرواحنا الوثابة، ووجدنا في مجلة "الأمة" دائرة الاهتمام تتسع كما نحبها لتشمل الأمة من طنجة إلى جاكرتا، بل تتعداها لتطلعنا على أحوال إخوانٍ لنا في المهجر، وأقليات مسلمة تعاني في روسيا والصين والهند. نجحت "الأمة" لأنها لم تكن منبرًا دعائيًا لقطر، ولأن من قام عليها كان يريدها أن تكون خارطة طريق لشباب الصحوة الإسلامية، ولأن من كتب فيها من العلماء والدعاة كانوا أطباء حاذقين في كشف الأمراض وتوصيف العلاج، وإني أظن بأن القبول الذي تلقته المجلة له علاقة بإخلاص القائمين عليها وعلى رأسهم، الشيخ عبد الرحمن آل محمود وكيل رئاسة المحاكم القطرية في حينها، والشيخين يوسف المظفر وعمر عبيد حسنة. لقد ساهمت مجلة "الأمة" وكُتبها الحولية التي كانت تعالج قضايا الفكر الإسلامي وتعمل على ترشيد شباب الصحوة بلا شك في تشكيل فكرنا المعاصر، وجمعت الأمة الإسلامية برباط العقيدة، تلك المجلة الاستثنائية هي واحدة من أهم الأسباب التي جعلت قطر في خاطري، وجعلت لها مكانة لا يمحوها تعاقب الأحداث. الآن، وبرغم أن الشيخ "جوجل" في جيوبنا، وأجهزتنا اللوحية تطير بنا مثل بساط الريح حيث نشاء، إلا أننا نفتقد مجلتنا "الأمة" التي نتمنى على قطر إعادة اعتمادها سفيرًا متجولا يعود لقطر بالذكر الطيب والقبول الحسن.