15 سبتمبر 2025

تسجيل

هيبة الدولة أم قهر الدولة؟

27 يونيو 2014

يظل الفارق الرئيسي بين هيبة الدولة في ظل النظام الديمقراطي، والادعاء بهيبة الدولة في الحياة تحت سطوة الحكومات أو النظم الديكتاتورية، إن هيبة الدولة في النظم الديمقراطية تتحقق باحترام الدولة والمواطن، كلاهما، للقانون، أما هيبة الدولة في ظل الديكتاتورية فهي لا تتحقق إلا بخروج الدولة على القانون وتقوم على استخدام وسائل القهر لإجبار المواطن على احترام الدولة، عبر الخوف من بطشها الذي يجري خارج إطار القانون، الذي يتحول عن وظيفته في إحقاق الحقوق ليصبح إحدى أدوات قهر الدولة للمواطن، فلا نعود أمام حالة هيبة الدولة بل نعيش تحت سطوة قهر الدولة. في النظم الديكتاتورية لا تعيش الدولة أو لا يستمر النظام أو لا تبقى النخب الممثلة لمصالح القلة الحاكمة، إلا عبر إرهاب المواطن، والأخطر أن تلك السلطات تروج إعلاميا لأفكار تدفع المواطنين لليقين بأنه لا بديل أمامهم إلا الاستسلام للقهر أو الخضوع لتلك السلطة، حتى يحققوا مصالحهم، إذ يقدم لهم القهر –لا النظام ولا القانون –على انه أداة تحقيق الأمن في الشوارع والمساكن ولازدهار النشاط الاقتصادي. ويدفع للاعتقاد بأنه لا بديل عن الخوف لتحقيق الأمن.وهنا يفتح الباب للمواطن لتحقيق حاجاته عبر أبواب الفساد لا عبر الالتزام بالقانون. هذا الأمر يجري بقصد هو الآخر، ووفق خطة مبرمجة. فالدولة الديكتاتورية هي حتما دولة فاسدة، تحمي الفساد وتفتح له الأبواب، وأحد أهدافه دفع المواطنين لاعتماده كطريق للحصول على الحقوق التي لا طريق قانوني للحصول عليها. في تلك الحالة لا يكون هناك بديل لممارسة الحياة واستمرارها- أمام المواطن- إلا بالنفاذ إلى داخل الدولة الظالمة وشراء الذمم بالمال، وهو ما يجعل المواطن متعايشا مع القهر ومتداخلا أو داخلا ضمن دورة الحياة التي يصنعها القهر، وربما تجري الأوهام بأنه عبر الفساد يصبح من الكبار. وكل ذلك مغلف بغلاف هيبة الدولة التي تحقق مصالح الموطنين!وواقع الحال أن أحد أهم الأخطاء التي وقعت فيها ثورات الربيع العربي، أنها لم تشرح نفسها ولم تقدم للناس مفهوما واضحا للحياة العملية بعد الثورة، أو حين تجري الترجمة لشعارات الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية في صورة شاملة، تحقق دولة القانون التي هي أساس هيبة الدولة عبر الالتزام الطوعي بالقانون، وأن دولة القانون هي بديل لدولة القهر. لم تشرح الثورة كيف يتغير حال المواطن الفرد الذي عانى طويلا من القهر والظلم، حتى صار لا يستطيع استيعاب فكرة أن يعيش حرا في ظل احترامه هو والدولة للقانون، إذ تربى على أساس تصور، أن القانون هو الدولة وأن ما تقوله أو تفعله الدولة هو القانون. للأسف لم تشرح الثورة نفسها، ولم تقدم للناس صورة لحياتهم يجري السعي لتحقيقها. لم تدرك الثورة مقولة إن المواطن الفرد لا يلمس الشعارات العامة بيديه لمس المثقفين أو المناضلين الذين تتملكهم الفكرة العامة حتى يكادوا يلمسونها واقعا. هذا الخطأ سمح للدولة الديكتاتورية أن تظل تصدر للناس أنها هي القانون وأن هيبة الدولة وإحلال الأمن والاستقرار لا يمكن تحقيقه إلا بالقهر للمخالفين في الرأي والفكر خارج إطار الدولة ومؤسساتها.هذا الخطأ المريع الذي وقعت فيه الثورات، ترك الناس نهبا لفكرة أن الديمقراطية تجلب الفوضى ولا تحقق الأمن والاستقرار. وجاءت الممارسة العملية في فترات التحضير للثورات المضادة ممهورة بالدماء التي ارتقت بالفوضى إلى مرتبة الخوف الاجتماعي. لمس المواطن الفرد حالة الفوضى متحققة تعصف بحياته، ولم ير القانون ولم يشرح له كيف أن الدولة ليست القانون وأنها لا تصنع القانون وأن القانون فوق الدولة وأن الفرد نفسه والدولة سواء في الخضوع للقانون في ظل الحرية والديمقراطية، بل إن القانون ينظم خضوع الدولة –كأجهزة ومؤسسات –للقانون بهدف تحقيق مصالح وأمان وحياة الأفراد.وللأسف تبدو الثورات في مرحلتها الارتدادية الراهنة، لا تزال واقعة في ذات الخطأ. فحتى الآن، يجري الخطاب الإعلامي مقتصرا على حالة انتقادية وهجومية على الأطراف المنقلبة وممارساتها من بوابة الأخطاء والجرائم أو الانقلاب على الحرية والديمقراطية واختيارات الناس، دون تنوير الناس بالمكان الذي يقف فيه كل طرف في النظم الديمقراطية لتحقيق أمن المجتمعات ودوران عجلة الحياة المستقرة. لم يصل للناس، كيف تختلف حياة المواطنين –لا النخب –حين تأسيس المجتمع الديمقراطي.هذا الخط الإعلامي للفارق بين هيبة الدولة القاهرة ونقيضها النظام الديمقراطي، ليس حالة نخبوية وليس رسالة إعلامية يقصد بها المثقفين، بل هو صلب بناء إدراك لدى المواطن الفرد الإنسان، بأن الثورات ليس هدفها تحقيق الحرية للنخب بل تحقيق الاستقرار والأمن الحقيقي للناس عبر احترام القانون، وأن القهر لا يحقق هيبة للدولة بل يجعل المواطن يعيش حالة الخوف منها، وأن تلك الهيبة المبنية على القهر لا تمكن الإنسان من الحصول على حقوقه القانونية كمواطن – في التعليم والصحة والثروة وقضاء المصالح-وأن الحرية هي بناء لمجتمع يكفل حقوق الناس جميعا ولا يقتصر على كفالة حرية الرأي للنخب، وأن الهدف ليس إحلال نخب محل أخرى في الحكم بطريقة ديمقراطية، إذ تلك مجرد وسيلة لإنهاء الخوف من الدولة أو دولة الخوف وللخلاص من إرهاب الدولة!.