20 سبتمبر 2025
تسجيلكان الرجل حينما يقول "أنا رايح السوق" لا يعني فقط أنه ذاهب ليتبضع بقدر ما هو ذاهب ليلتقي بغيره من الأصحاب والأصدقاء. كان السوق يعني الملتقى الاجتماعي الذي يكشف عن مدى ترابط المجتمع، ترابط الاقتصادي بالاجتماعي، التقاء الفرصة بالمناسبة لذلك هناك دكاكين أو محلات لها صفة اجتماعية أكثر منها صفة تسوقية، أيضاً تجد العديد من رجالات قطر يلبسون "البشت " حينما يذهبون إلى السوق، دلالة على مكانة السوق ورمزيته الاجتماعية في ذلك الوقت، لاحظ الفرق اليوم كيف يلبس من يذهب إلى المولات ومن أبناء قطر البعض وليس الكل ناهيك عن الجنسيات الأخرى، وبل ماذا يعني ذهابك إلى المول وبماذا يفسر ضمن تفسيرات أخرى ؟ تجد الوزير وتجد المسؤول وتجد المتقاعد. الجميع يذهب إلى السوق ليلتقي بأصحابه كان أكثر من مجرد موقع للتبضع. السوق وأعني سوق واقف بالذات في الماضي له رمزية اجتماعية لم تعد موجودة اليوم، كان يمثل جزءاً من ثقافة المجتمع ومن شخصية القطري، سوق واقف الجديد لم يعد كما كان، اليوم تشعر وأنت في وسطه بأنك ضمن ثقافة أخرى، ليس من ناحية الزي فقط ولكن من ناحية التصرفات والسلوكيات، الجديدة بعد تلك التي كانت تعكس حقيقة المجتمع القطري، ما يحزنني هو ذهاب رمزية السوق والتاجر معاً، لم يعد السوق يرمز إلى المستوى الحقيقي لمعيشة المواطن ولم يعد التاجر نبيلاً إلى درجة أن يكون يجمع بين إنسانيته واجتماعيته وبين السعي وراء الربح بأي ثمن. طغت المادة بشكل جارف على السوق وعلى التاجر، أعتقد أن سوق واقف كان يعبر عن التراث سابقا أكثر منه اليوم رغم تجديد شكله نحو التراث إلا أن روحه التراثية ذهبت مع ذهاب ذلك الرعيل وتلك الدكاكين والمحلات التي كانت تواصلاً وروحاً قبل أي شىء آخر. كان يأتونها اتصالاً بالثقافة وتواصلاً بالمجتمع، ثقافة اجتماع وتواد ومشاركة قبل أي شىء آخر. اليوم يفتقد الروح ويفتقد رائحة البخور والعود الطيب في دكاكين تجار ذلك الزمن مقارنة بدخان الشيشة الكثيف المؤدي إلى الاختناق والسعال. يفتقد أغاني عبدالله الفضالة وأصوات محمد بن فارس اللي يبيعها "بومرداو" والتي تسمعها حين عبورك لدكانه خارجاً من السوق، ودكان الغزال لبيع خيوط الحداق الذي كنا نتكدس عنده لشرائها في آخر أيام الأسبوع للذهاب للحداق وما أكثر خياراتنا في ذلك الوقت، سواء السيف الشمالي أو الساحل الغربي دخان وما حولها، أو السيف الجنوبي العميق، وليس كما هي حالة الاختناق التي نعاني منها اليوم في دولة يحيط بها البحر من جميع الجهات تقريباً. كثيرة هي الدكاكين والمحلات التي كانت تحمل أسماء أصحابها أكثر من حملها لنوع البضاعة التي تبيعها دليلاً على اجتماعية المحل أو الدكان، السوق اليوم ضجيج أغانٍ، وعرض أزياء، ولهجات مختلطة فيه اختلاف إلا أنه اختلاف لا يعطي معنى بقدر ما يعطي رمزية إلا أن الزمن قد تغير تغيراً مادياً فرضه قساوته على الروح وعلى الذاكرة لمن تبقى من ذلك الجيل الجميل. التغير سنة كونية لا مناص منها ولا اختلاف في قبولها، لكن تدخل يد الإنسان في استجلابها قبل أوانها يحدث شرخاً معنوياً وقطعاً طولياً في جسد المجتمع وفي ذاكرته، يكاد يسقطه مترنحاً حتى يسترد توازنه بعد حين. [email protected]