20 سبتمبر 2025

تسجيل

قطر العروبة

27 مايو 2019

عندما كنت في الصف الأول والثاني في مدرسة الريان القديم كانت الجزائر وفلسطين هما قضيتا العرب الكبرى؛ نستعرضهما كل صباح في الطابور بعد تحية العلم، وكانت كلمة الصباح وصفاً لحال الأمة العربية، وإشارةً لإرادتها وتماسكها في أغلب الأحيان، وكان في مقابل الطابور في «ليوان» المدرسة رسم بارز بعض الشيء لـ»بن غوريون» رئيس وزراء إسرائيل في تلك الحقبة مخنوقاً بحبل مشنقة، ومن خلفه خريطة فلسطين الحبيبة. بعد الانتهاء من كلمة الصباح التي كانت تُعد بأهمية حضور الدروس وربما أكثر حيث يستمر الطابور ويأخذ وقتاً كافياً تكون المايكروفونات قد نقلت كل حيثياته وتفاصيله إلى جميع أرجاء الريان والمنطقة المحيطة بالمدرسة. يأتي دور التفتيش على اليدين ونظافتهما والأظافر وتقليمها، فيبدأ مربي كل فصل بالمرور على طلبته كاستعراض حرس الشرف يراقب وقوفهم، وانتظامهم ونظافة أيديهم، ويتوقف عند المقصر أو المتكاسل منبهاً ومحذراً بعدم قبوله في الصف إذا تكرر منه ذلك مستقبلا. ثم يبدأ بعد انصراف الطلبة إلى صفوفهم اليوم الدراسي بالحصة الأولى، وكانت ست حصص يوميا ما عدا يوم الخميس حيث كانت خمس حصص فقط. كان معظم مدرسي تلك الحقبة في قطر من الإخوة المصريين والإخوة الفلسطينيين، أما الطلبة فجلهم قطريون ومع الوقت التحق بمدرستنا بعض الإخوة من البحرين الذين نزحوا إلى قطر وسكنوا الريان أو غزة القريبة منه والتي هي اليوم مدينة خليفة الغربية في الغالب. على كل حال، كانت المدرسة تقدم لنا غذاءً تربوياً متكاملاً وليس فقط دروساً في المنهج المدرسي، فهناك مسرحيات وهناك تفاعل مع الوضع العربي بشكل أشعرنا كطلبة بأننا نعيش العالم العربي كله بين جنباتنا ونحمل الهم الكبير من المحيط إلى الخليج ضمن حقائبنا التي نحملها على ظهورنا متجهين إلى مدارسنا. من أشهر المسرحيات التي مازلت أذكرها وربما كنت في حينه في الصف الثاني أو الثالث، مسرحية «السيف والقلم»؛ وهي مأخوذة من قصيدة المتنبي المشهورة وبيته الأشهر:الخيل والليل والبيداء تعرفني.....والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ. وفي أحد الأيام وكنت في الصف الثالث الابتدائي وقبل طابور الصباح فوجئت بتظاهرة تخرج من المدرسة يقودها الطلبة الأكبر سناً منا في الصفوف الخامس والسادس تتقدمهم صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر متجهين نحو شارع الريان القديم العام بين قصر الشيخ خالد بن حمد وبيت خالد بن عبد الله العطية رحمه الله بعد أن أشاروا لمن هم في سني بالذهاب إلى البيت. ومازلت أذكر الأخ راشد سلطان الذوادي لاعب نادي الريان لاحقاً يحمل صورة عبدالناصر في المقدمة. كانت المدرسة في حينه جزءا من النظام العربي ومن وعي الإنسان العربي بذاته وبحقوقه، كما كانت تقوم بدور اجتماعي واقتصادي مهم وخطير، فعن طريقها كان الطلبة يتلقون المساعدات من كسوة سنوية كاملة صيفا وشتاء بالإضافة إلى رواتب شهرية بالإضافة كذلك إلى تغذية يومية متمثلة في توفير الألبان للطلبة بعد الحصة الثالثة وقبل الفسحة الرسمية بين الحصص. ومن الملاحظ أن عدد الطلبة القطريين وخاصة أهل البادية قد تراجع قليلا بعد توقف المساعدات الأخرى مع الوقت ونجاح الدولة في ترسيخ مفهوم العلم كقيمة في حد ذاته في ذلك الوقت، ولكن ما لبث حتى عاد الجميع كبارا وصغارا يطلبون العلم في ذاته ولذاته. كانت المدرسة «عربية» في منهجها في هويتها في أدق تفاصيلها لكن لا يعني أنه لم تكن هناك مقاومة من بعض كبار السن لوجود المدرسة، فقد امتنع بعضهم من إدخال أبنائه المدرسة مدعين أنها أصلا «مفسدة»، خلخلت المدرسة الوعي وأظهرت التباين فيه بين أفراد المجتمع، كان البحث عن نوعية تعليم تتفق وثقافة المجتمع فلما تيقنوا من ذلك أسقطوا جميع العوائق الذهنية التي كانت تعيش في أذهانهم. وانخرط الجميع في عملية تعليمية شمولية رائدة في وقتها. [email protected]