12 سبتمبر 2025
تسجيلرفع سعر الفائدة وإنهاء التيسير الكمي بالرغم من أننا تطرقنا قبل أسابيع قليلة إلى المخاطر المحدقة بالنمو الاقتصادي العالمي، وتطرقنا بصورة خاصة إلى أزمة الديون العالمية، إلا أن تناوب العديد من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التصنيف مثل فيتش الأسبوع الماضي، على التحذير من تفاقم أزمة الديون العالمية يوحي بأن هذا الموضوع بات يمثل أولوية بالنسبة لتطورات الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر. ووفقا لوكالة التصنيف الائتماني "فيتش" فإن الديون التي لم يتم سدادها من قبل الدول النامية قفزت إلى 19 تريليون دولار مقارنة بمستوى خمسة تريليونات دولار قبل عقد من الزمان. في الوقت نفسه حذّر صندوق النقد الدولي الدول العربية من التقاعس إزاء أزمة دين تلوح في الأفق، داعيا إلى مواصلة الإصلاحات الاقتصادية، على رغم ارتفاع أسعار النفط، متوقعا أن يبلغ استهلاك الدين الحكومي التراكمي 71 بليون دولار في الفترة 2018 – 2022. ويرجح تزايد المحاذير من تفاقم أزمة ديون الدول النامية نتيجة لعاملين رئيسيين. العامل الأول هو توقع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بزيادة سعر الفائدة ست مرات على الأقل بحلول المقبل. وكان المركزي الأمريكي قد رفع سعر الفائدة الأمريكية للمرة الأولى في 2018، لتراوح بين 1.50 في المائة و1.75 في المائة وسط توقعات بأن يشهد العام الحالي ثلاث زيادات في معدل الفائدة. وهذا سوف يؤدي ليس إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وسداد الفوائد فحسب، بل أيضا تراجع حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى الدول النامية نتيجة حصول المستثمرين الأمريكيين والعالميين على عوائد أعلى على أصول الولايات المتحدة. وإذا انعكست شهية المستثمرين على المخاطرة في الأسواق الناشئة فمن المحتمل أن تواجه الدول النامية تحديات إعادة التمويل حتى في الأسواق المحلية. أما العامل الثاني فهو تداعيات إجراءات التيسير الكمي الذي اتبعته الدول المتقدمة خلال السنوات الماضية لتحفيز اقتصادياتها، مما أدى إلى تدفق أموال رخيصة في الاقتصاد، وبرزت ظاهرة الاقتراض بسعر فائدة صفرية وأدنى من ذلك. لكن هذه الأموال الرخيصة لم ينحصر تدفقها لأسواق المال في الدول المتقدمة فقط بل تدفق قسم كبير منها لأسواق الدول النامية. وقد أدى قيام الاحتياطي الفيدرالي وبنك انجلترا والمصرف المركزي الأوروبي بضخ أموال رخيصة للأسواق المالية في بلدانها إلى تدفق نحو 9.8 تريليون دولار خلال السنوات الماضية نحو دول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا في هيئة قروض وسندات منها 7 تريليون دولار للأسواق النامية مستغلين حاجة هذه الدول الماسة للأموال والتي تسعى بدورها لتجميل صورتها الاقتصادية من أجل الحصول عليها. وهذا أيضا يفاقم الخطر الذي قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، حيث يتم الحصول على هذه التمويلات بالدولار الأمريكي ثم يتم تحويلها للعملات المحلية لاستخدامها. ومع ارتفاع الدولار اليوم مع رفع سعر الفائدة الأمريكية فإن الحجم الحقيقي لتلك الديون ونسب خدمتها سوف ترتفع وتجعل هذه الدول في وضع يصعب عليها اعادة تسديدها. وهذا يهدد بنقل الأزمة إلى هذه الدول خلال المرحلة المقبلة. ويتحول الموضوع على ما يشبه لعبة الأواني المستطرقة حيث إن ارتفاع الديون يؤدي بدوره إلى ارتفاع علاوات المخاطر بالنسبة إلى المستثمرين/الدائنين، أي ارتفاع سعر الفائدة، بذريعة التعويض عن المخاطر العالية التي تخلقها الشكوك حول قدرة البلد المعني في الاستمرار بخدمة ديونه، وهذا بدوره يرفع تكلفة إعادة التمويل مما يعني ضمنيا ارتفاع حجم التمويل المطلوب لإعادة تسديد الديون القائمة، وهو بدوره يرفع حجم المديونية ككل.