23 سبتمبر 2025
تسجيلكم تاقت قلوبنا شوقا إلى أرض الله مكة المكرمة بعد مُضّي عام على فراقها، ونحن نسمع صوت الأذان يعلو منابرها، ونرى حمائم السلام تفترش أرضها وسماءها صادحة بهديلها، فرحة باستقبال المعتمرين والحجاج إلى بيت الله، فكيف لا وهي أحب بلاد الله إلى الله، وكيف لنا أن لا نحبّها وتشتاق قلوبنا لهفة لزيارتها، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفصح مخاطبا مكة عند خروجه منها مهاجرا إلى المدينة "إنني لأعلم أنك لأحب بلاد الله إليّ، وإنّك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أنَّ المشركين أخرجوني منك لما خرجت" ونحن نقول لولا جدار الظلم الذي وضع أمامنا من دول الحصار لأسبقنا الخطى إليك يا أحب بيوت الله إلى الله. وكم يغلبنا الحنين إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد النبوي، وزيارة قبره، ونحن نرى المصلين يتسابقون للصلاة في محرابه، ولكننا لا نملك عصا موسى لنشق طريقنا إليهما، ونكسر بها كل القوانين التعسفية المانعة لنا، ونتجاوز كل الإجراءآت السعودية التي تعرقل الطريق إليهما، ولكننا نملك لسانا يردد بالقول "حسبنا الله ونعم الوكيل". سياسة حمقاء من قادة يحملون شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله، نسفت كل المثل الدينية والإنسانية، ووظفّت سياستها مع قطر في حرماننا من زيارة بيت الله الذي هو بيت المسلمين يأتون إليه من كل فجّ عميق، فليس هناك أمر إلهي في تحديد ملكيته لبلد أو أرض أو نظام أو ملك حتى تصدر قرارات المنع، فربط العبادة بالسياسة هو أسلوب الحمقى والجهلاء! وبأي حق نحرم من تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام! وبأي حق تدفع الشعوب ثمن الغطرسة والمكابرة والحقد! هل يعقل أن يغيب الفكر عن وجوبية تأدية شعائر الحج للمسلمين من استطاع إليه سبيلا! ألم يكن هناك رجل رشيد من قادة دول الحصار الذي يدرك حُرمة هذا المنع ونتائجه في العقوبة! أن ربط السياسة بالعبادة جريمة. كما هي الجريمة التي ارتكبتها دول الحصار في قطع صلة الرحم. بين الأشقاء وبين الآباء والأبناء وحرمتهم حتى في الزيارات المرضية وحضور الجنازات عند الموت. وفرض إجراءات معقدة وبالأخص على مواطنيهم. ها هو العد التنازلي لوداع رمضان قد بدأ، ليمضي عامان من عمرنا الزمني، ومازال الغموض يكتنف مصيرنا في تأدية مناسك الحج، عامان لم تلمح أعيننا مكة المكرمة، بجمالها التاريخي الإسلامي، وقدسية شعائرها، ولم نستشعر روحانيات قبلتنا الكعبة المشرفة بالصلاة والدعاء بقربها، وقرب حجر إسماعيل، ومقام إبراهيم، والارتواء من ماء زمزم الطاهر، وخلال هذين العامين لم تبدُ أي بادرة لفتح المنافذ المؤدية إلى تأدية المناسك الدينية، ليزداد ألم الفراق قساوة، ويزداد الحنين للقاء شوقا، لقد شُلّت القلوب المانعة في المملكة من القادة عن الرحمة فزادت قساوةً وتحجّرًا بقوانينهم الصارمة، كما شُلّت حركة الاستعداد عند من تعود قضاء أيام من الشهر الفضيل في مكة لتأدية العمرة الرمضانية. من أبناء قطر، وكما فُعّل الرفض الذي حمل شعاره المقاولون في تسيير حملاتهم، ليست نتيجة الخسائر المادية الفادحة التي تعرضوا لها وأساليب الطرد والمنع التي واجهتهم. مع بداية الحصار في العام الماضي من قبل السلطات السعودية فحسب، إنما نتيجة الاستشعار بفقدان الكرامة، وعدم الاحترام باتباع الطرق الملتوية والإجراءات المعقدة التعجيزية التي تفرض على الحملات، فأي دناءة سلوكية تلك في التعامل مع حرية العبادة التي كفلها الله لكل مسلم! وأي حقد إنسانيّ تتبعه السلطات في السعودية بقرارات مشروطة في حالة الموافقة على العبور والسماح للحجاج والمعتمرين لتنصب فَخها عند العبور في اصطياد أبناء قطر! فالإصرار الأحمق في اتباع أساليب المنع والطرد والاستمرار في تسييس الحج يخالف القواعد والقوانين والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها السعودية تحديداً، ودول الحصار الجائرة، وامتداد هذا لأسلوب الجائر ليشمل مواطني الدول التي رفضت الانصياع لدول الحصار في معاداة دولة قطر والانضمام لصفها في المقاطعة، واستغلال الحج كورقة سياسية للضغط على حكوماتها وعلى الشعوب الرافضة للحصار، والاستمرارية في هذا الأسلوب وحتى هذا اليوم لا شك أنه سيؤدي إلى تصدع المنظومة الخليجية وتفكيك رباطهالمجتمعي والاقتصادي، وهذا ما حدث وما يحدث الآن مع أساليب الابتزاز والمكابرة والمراهقة السياسية، التي تتبعها دول الحصار، والتي من أهدافها الضغط على أمير قطر الشيخ تميم للحصول على تحقيق مطالبها بتسييس الحج والعمرة. وقد أثبت هذا التصرف فقدان الوعي الديني والتاريخي والسياسي، باعتبار أن ما يحدث ضد العقيدة وضد حرية العبادة، والتي يجب احترامهما، ناهيك على أنه مخالف لأمر الله تعالى: "وإذ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) إن أسلوب تسييس الحج، الذي اتخذته المملكة شعارا لكل من يخالف سياستها وفكرها، وابتزاز الدول والحكومات الإسلامية للوقوف معها واتباع مواقفها السياسية، لم يكن وليد اللحظة التي تم فيها حصار قطر. إنما هو أسلوب متأصل في تاريخ السياسة السعودية تتبعه مع خصومها ومخالفي سياستها، وتوّجت نفسها بملكية مكة المكرمة والمدينة المنورة، بالسماح والطرد والمنع، مخترقة بذلك كل الاتفاقيات الدولية التي تنص على أن أداء الشعائر الدينية حق لكل مسلم، وله الحرية في ممارستها. وإن الحج والعمرة تعظيم لله وتوحيده وتنفيذا لأوامره قال تعالى: "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ" [البقرة:196]