19 سبتمبر 2025
تسجيلكما تنبت الأشواك في الحديقة المرة تلو الأخرى بعد عزقها وحراثتها والتخلص من شرها، تعود إلى بلاد العرب أشواك الشخصيات القاسية عبر دستورها العسكري لتغتصب أحلام الطامحين إلى مستقبل الحرية الجميل، وهاهو آخرهم اللواء خليفة حفتر الذي عاد في محاولة لاختطاف شرفة الثورة الليبية بعد كل ما قام به الشعب الليبي من جهود وكفاح ضد نظام العقيد معمر القذافي والذي كان حفتر واحدا من أشرس قادته العسكريين قبل أن ينقلب مرة تلو مرة، ليستقر أخيرا كبديل مفترض للفكر القذافي، حاملا لواء القضاء على الحركات الإسلامية خصوصا الإخوان المسلمين في ليبيا ومنددا باختيار رئيس وزراء توافقي جديد، والمدهش أن هناك طيفا من الأغبياء أو الخبثاء مازالوا يختبئون في صفوف الشعب ويدعمونه. البارز في المشهد العربي بعد كل ثورة ضد نظام مستبد، أن هناك جهة خفية تعمل في الظلام لتقويض البناء الأمني الذي هو أحد أساسيات نجاح الثورات التي من صفاتها الفوضى، كما رأينا في مصر بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، دعمت الجهة الخفية التي باتت معلومة اليوم جهود الزعران والمرتزقة والبلطجية والمجرمين ليعيثوا خرابا وترويعا في صفوف المواطنين البسطاء، وذلك لإيهام الناس بأن هذه الثورات لا تأتي سوى بالفوضى ولذلك يفتح باب القبول بالحل العسكري كخيار قوي دائما، ليتطور كخيار لابد منه ليحكم البلاد، وهذا ما جرى في مصر وبدأت التجربة الأولية في ليبيا هذه الأيام رغم منح المؤتمر الوطني الليبي ـ البرلمان ـ الثقة لأحمد معيتيق لتشكيل حكومة جديدة، حيث أعلن حفتر والمليشيات التابعة له رفضهم ذلك.عندما قلنا من قبل إن على الدول العربية التي تظن في نفسها أنها تدعم خيارات الشعوب العربية ألا تتخلى عن ليبيا، وأن تقدم للطبقة السياسية التي خرجت من رحم الشعب والثورة الدعم المباشر لتأسيس بناء للدولة على أسس محترمة وتشاركية، وألا تتركهم نهشا للقوى الغربية والشرقية والأهواء، كنا نتوقع مفاجأة بحجم ما تسمى "عملية الكرامة" التي قادها حفتر القادم من مصر ما بعد مرسي، وظهر جليا أن اللواء حفتر والمشير السيسي قد تتلمذا على يد شيخ واحد، وأخذا دورة سريعة في التعاطي مع الوضع الهش للثورتين المصرية والليبية، فبات خطابهما متقاربا، واستخدما ذات الجمل الافتتاحية التي قدما خلالهما أوراق اعتمادهما كرئيسين مقبلين للبلدين الجارين، رغم سذاجة فكرتهما وسخافة الأسلوب، ولكنهما اعتمدا على طيف واسع من الجمهور المضاد للثورة والديمقراطية وهو موجود في كل بلاد العرب، ولكن الوضع في ليبيا مختلف فمن السهل تقويض كل الاتفاقات والترتيبات في يوم واحد.لقد كان الأولى بالأخوة الليبيين أن يتفقوا فورا على الدستور وينتخبوا برلمانهم ثم يدخلوا في الانتخابات لاختيار حكومة ورئيسا لها له القيادة والحصانة الدستورية، وأن يفصلوا مؤسسة الجيش عن الحياة العامة خلال سنة مضت وأثناء أوج الشعور بالانتصار والإحساس بفرحة الثورة ووجود القادة الفعليين للثورة على الأرض، وقبل أن ينتهز ثعالب السياسة والمتسلقين على ظهور الشهداء والضعفاء والرعاع حالة الخلاف الذي تسبب به عدد من قادة المؤتمر الوطني والأحلاف الأخرى مثل محمود جبريل وعلي زيدان وأخيرا اللواء حفتر الذي يهدد السلم الاجتماعي في دعوة التحشيد التي يقودها والتي قد تجر ليبيا إلى حرب أهلية طاحنة.إن الفرصة التاريخية للأشقاء في ليبيا لبناء دولتهم المدنية المحترمة المرتكزة على أسس شرعية تستمد قوانينها وأنظمتها من الشريعة الإسلامية السمحة والتقاليد العربية والأمازيغية الليبية الأصيلة والمستندة إلى أرقى التشريعات الديمقراطية التي يعيشها العالم المتمدن باتت على شفا الضياع إذا لم يتداركوها ويدعموا حكومتهم الجديدة، ويخضعوا أنفسهم لسلطة الدولة لتنضوي الجماعات المسلحة الوطنية تحت مظلة الجيش. ولكن يبدو أن طمع الطامعين في السلطة في ليبيا قد أعمى بصائرهم، فاختلفوا ليفتحوا الباب لدخول حفتر اللاعب المحترف مدججا بقوة خفية ملامحها أعجمية ولهجتها عربية ويقود عملية تطهير في ساحة مفتوحة وفارغة ومؤهلة للصراعات تعتمد على أصابع معروفة بعدائها لتنظيم الإخوان المسلمين وبالدرجة الثانية محاربتها للجماعات الإسلامية الأخرى وهذه لا تحتاج إلى تفسير، فهناك مهمة إستراتيجية للعديد من الدول لإجهاض أي محاولة لنهوض الحكم الإسلام المعتدل الذي يمكن من خلاله تعريف العالم على الصفات السياسية الحميدة والأصيلة لنظرية الحكم في الإسلام، والقضاء على الصورة النمطية للمسلم المتطرف المتعطش لدماء الكفار كما دعمتها أجهزة عربية وغربية.