19 سبتمبر 2025
تسجيللا احبذ كثيرا أن أدفق أحبار قلمي ليقف عند أفكار الآخرين أو انتقاد ما يأتون به من إبداعات وابتكارات، فالفكر الإنساني دائما طليق والكثيرون يعصفون اذهانهم ويأتون بإنجازات واكتشافات علمية تضيف للإنسانية ولمسيرة حياة الإنسان تعليمه وصحته وبعضها لا يصنف إلا من باب الرفاهية والمرح وتخفيف حدة الحياة بالتسلية الخ.. استلمت عبر "الوتساب" رسالة من الصديقة "البوعينين" جزاها الله خيرا، بعنوان حياة ليس بها حياة، صورها نفر كريم من المشايخ المهمومين بالشأن الإنساني من إحدى قرى بلاد جيبوتي الشقيقة.. أسر ملتصقة بالتراب والحجر في مناطق قاحلة لا نبت فيها ولا شجر.. وأطفال وكأن الحياة توقفت بهم عند العصور الأولى للبشرية لم تصلهم المدنية بخيراتها ونعيمها الوفير حد التخمة ولا ضجيجها المتلاحق بلمسة أزرار التقانة وتكنولوجيا العصر.. وأصدق تعبير كان عنوان الفيديو "حياة ليس بها حياة".. في نفس لحظة استلامي الرابط كنت اقلب في إحدى الصحف وللحقيقة سرَت في جسدي قشعريرة وأنا أقرأ "مصممة أزياء تبتكر من بنات أفكارها فستان من فئة الخمسمائة ريال سعودي".. ونقلت مجلة "هي" المتخصصة في أزياء النساء عن المصممة رانيا غمراوي، أنها بدأت في تصفيف أوراق العملة من فئة 500 ريال بعضها بجانب بعض لتنتج فستانا لافتا تبلغ قيمته النهائية نحو المليون ريال سعودي، في سعيها لاستحداث طريقة جديدة للاحتفال باليوم الوطني.. الفستان ـ بحسب مصممته ـ يعد زيا تراثيا يعبر عن الهوية بدلا من الملابس التقليدية من الأثواب الخضراء والأشمغة، وقالت: إن فكرة "الفستان المليوني" جاءتها حين طُلب منها في مشروع التخرج تصميم فستان سهرة من مواد يستحيل ارتداؤها، وأنها استغرقت ثلاثة أسابيع لإنجازه والكثيرون حرصوا على أخذ صور تذكارية بجانبه!!. يحكى في الأثر الطيب، أن أحد ولاة المسلمين ألح عليه رجل أن يمنحه دقائق ليرى كيف يبني مجسم من الإبر ويمرر منها إبرة دون أن ينهار، وفعلا نفذ المجسم بخفة يد يحسد عليها وباتقان شديد، فسأله الوالي وبماذا يستفاد من عملك هذا؟ فأخرص الرجل ولم ينطق بكلمة فأصدر عليه حكما قاسيا.. أولا، لأنه لم يكن مستعدا للرد على هذا السؤال، ثانيا، اقتطع وقتا ثمينا من مشغوليات الوالي، وثالثا، لأنه صرف وقته وعصف ذهنه واستقل قدراته وذكاءه الفطري وتدرب على إنتاج مجسم لا ينفع به نفسه ولا الناس.. وهذا ما يحدث في زماننا هذا، حيث تنقل لنا الوسائط الإعلامية، كيف أن كثيرا من طلبة العلم وبعض الباحثين يستنفدون أفكارهم وذكاءهم في أبحاث غير مجدية وبعضهم ينال درجاته العلمية العليا في دراسات وأطروحات لا تمت لحاجة مجتمعه بأي رابط ولا ضرورة آنية ولا مستقبلية مما يعتبر هدرا للمال والوقت والجهد. أما حكاية المصممة التي جمدت "مليون ريال، ريال ينطح ريال" مستهلكة وقتها الثمين وقدراتها الإبداعية فيما لا ينفع، في حين تنقل لنا ذات الوسائط الكثير من المآسي الإنسانية التي تستحق أن يبذل لأجلها المال والجهد.. وهو صنف من أصناف استغلال نعم الله في غير ما جدوى. والمصممة لا عذر لها وهي الطالبة الجامعية المستنيرة في زمان الناس أحوج ما يكونوا للإنارة والاستنارة والتكاتف والتآزر من ناحية، وبذل الجهد واستقلال الذكاء الفطري في أبحاث وابتكارات تنفع البشرية في صحتها وتعليمها ورفاهيتها. همسة: مؤمنة أن الغنى ليس بكم ما عندك، بل بحجم تقييم نعمة ما عندك. وشكرا صديقتي "البوعينين" على إعانتي لأكتب هذه الحروف علها تصل، وألا أكون أهدرتها فيما لا ينفع، فيقع عليّ العقاب، والله من وراء القصد.