15 سبتمبر 2025
تسجيلتوقف قلبها، كلمة زلزلت كل كياني وأدارت شريطا طويلا من حياتي معها تذكرت كل لحظة، كل ضمة، كل نظرة غضب لمحتها في عينيها، كل ساعة قضيتها معها تناقشني في أمور صلاتها. أمي ماتت، احتسبوها عند الله هذا أمره وهذه ساعتها، كلمات قالها الطبيب وانصرف، لم أكن أعلم أنه بين غمضة عين وانتباهتها، سوف أفقدك يا أمي، ولكنه أمر الله (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). لمن أذهب كل مساء، ومن أحتضن ذاك المساء، ومن تناقشني وتسأل عن الأبناء والأحفاد، من سوف تسألني ماذا تريدون على العشاء يوم الخميس، ومن التي ستجهز لي عود البخور كل عيد الذي لم تنسَ أن توصي به لي هذا العيد، من التي سيلتف حولها الأحفاد وأبناء الأحفاد يتسابقون لتقبيل رأسها كل خميس. من التي تجلس في مكانها المعتاد في الصالة الذي أتخيل أنه يسأل عنها لتوزع العيدية على الأطفال والعاملين في بيوتنا. أمي اشتقت لك رغم أنه مرت فقط أيام على فراقك، موتك جرح لن يشفى وشوق لا ينتهي، يا لها من لحظات صعبة ومؤلمة خرجت من البيت محمولة على الأكتاف لمقرك الأخير لا ندري هل سنلتقي معك أم لا؟! أمي يا من كنتِ شمعة البيت الذي أظلم بعدك، وذهبت رائحة البركة منه وحلت محلها رائحة الفقد والألم. عزَّى فيك القريب والبعيد الذين كانت عباراتهم تتدفق حبا وثناء عليك وعلى طيبتك وكرمك وحنانك، عزاؤك عبارة عن تأبين صادق يطري مسيرتك العطرة. مصحفك الكبير وكرسيك الذي تجلسين عليه يفتقدك وينتظر عودتك ولكنه لا يعلم أنك لن تعودي إليه فسيكون مقعدك في جنة الفردوس إن شاء الله على الأرائك بلا همّ ولا قلق ولا ضيق. أمي، البيت بعدك أقفر وأظلم، جدرانه يبدو عليها الحزن والألم، فقد أفتقدك من يلمسها ويتفقد أي ضرر أصابها. من عمل معنا ورحل ومن ما زال معنا ذرفوا الدموع على فراقك وافتقدوا كرمكِ وعطفك عليهم، لن ينساك الطباخ ولا السائق ولا منظم الزرع أبدًا، لن ينساك اليتامي في الخارج الذين تمدينهم بالعون والدعم. أمي، يا يمة، فقد الأم شيء لا نقدر عليه ولا نتحمله. ولن ننسى لحظاتنا معك، ابتسامتك، فرحتك في السفر ومتعتك هناك وحرصك على شراء الهدايا للجميع الصغير والكبير القريب والبعيد، ولكنه قدر الله عز وجل ولا رادّ له ونتقبله ونسأل الله الصبر والسلوان لقلوبنا. مريم التي أوصيتينا عليها سأكون لها الأم التي ترعاها ونطلب رضاها ونوفر لها ما تطلبه وتحفظها رغم أنها أصغر الأخوات. اطمئني ونامي قريرة العين، فنحن فلذات كبدك سنظل على العهد وسنكون كما تريدينا دائما لن نفترق وسنكون يدا واحدة وسوف نجتمع كل خميس وكل عيد وكل مناسبة في بيتنا الذي ضمنا معك أكثر من خمسين عاما. رحمك الله يا أمي وأدخلك فسيح جناته وغفر لك وألبسك لباس الوقار يوم القيامة وجمعنا معك في جنات الفردوس.