11 سبتمبر 2025

تسجيل

المغتربون بين تحقيق الحلم وحيرة الهوية

04 أغسطس 2024

من دخول المرء المرحلة التعليمية وتتابعه فيها للوصول للصفوف العليا التي تؤهله لدخول الجامعة التي هي جواز السفر للمستقبل لأنه يحدد مستقبله بما يدرسه ويتعلمه ومن ثم يعمل به لخدمة وطنه ونفع نفسه وتكوين حياته كإنسان ذي مسؤولية في المجتمع، وما إن ينهي دراسته الجامعية وخاصة في التخصصات العلمية كالطب والهندسة، يصطدم بالواقع أمامه، لا وظيفة ولا مستقبل وانتظار لما هو حلم أو شيء غامض ويطول الانتظار وتختفي الفرص في الوطن، ويتلاشى حلم الأهل بمن سوف يعمل على مساعدتهم ورفع بعض العبء عنهم. ومن هنا يبدأ التفكير في فرصة أخرى لتحقيق الحلم، فرصة يعلم أنها مؤلمة وصعبة وتحتاج إلى إرادة قوية تتخذ القرار الصحيح، فيبحث عنها ليجدها هنا في دول فتحت أذرعها لاحتضان الكفاءات والقدرات التي أحبطت في وطنها لتكون لهم الحضن البديل الدافئ الذي سيحقق لهم الحلم. وهناك في البلاد البعيدة تفتح الأبواب لهؤلاء الذين فقدوا الأمل بوجود الوظيفة لتحقيق المستقبل، وتتاح لهم العديد من الإمكانيات التي تؤهلهم لاغتنام الفرصة للبحث والإبداع والابتكار، فتتلقفهم المراكز العلمية وتهيئ لهم الإمكانيات وتوفر لهم الوسائل التي تساعدهم ليكونوا متخصصين بارعين، هذا ما شاهدته حيث كنت في مدينة هيوستن الطبية حيث تجد الكفاءات العربية في أغلب التخصصات تعمل بجد وإتقان تحظى بالثقة والتقدير ممن حولها، أطباء وفنيين ومساعدي أطباء ومترجمين للمرضى من دول عربية جارت على الزمن قبل أن يجير عليها، واضطهدت مواطنيها وضيقت عليهم لدرجة أنهم اختاروا الغربة على المعاناة في الوطن. تفتخر هنا في هيوستن حين ترى تلك الفتاة العربية الطبيبة في أحسن المستشفيات يتهافت عليها المرضى ومتخصصة في أدق التخصصات وذلك الطبيب العربي الأستاذ في الجامعة الذي يتدرب على يديه العديد من الطلبة الأجانب ويقف كل واحد منهم احتراما وتقديرا له. لقد حصل هؤلاء على كل الامتيازات وتوفر لهم العيش الكريم والمسكن وكل ما يتمناه الإنسان للحياة ولكن تظل هناك أمور كثيرة تشغلهم وقد تكدر عليهم حياتهم وتجعلهم يعيشون ما يسمى (أزمة الهوية) وخاصة لمن لديه أبناء سواء الذكور أو الإناث الذين يتعلمون في المدارس الأجنبية ويتعاملون مع زملائهم من مختلف الأجناس والأديان والمعتقدات ويعودون لبيوتهم ليجدوا معتقدات مختلفة، فهؤلاء تائهون بين هوية الوطن الذي يعيشون فيه وهوية الوطن الذي تركه والداهم، وبالتالي تحدث تلك الأزمة وذاك الخوف في نفوس هؤلاء الذين تغربوا في هذه الديار، فمن يستطيع أن يوازن بين ما هو فيه وما كان من قبل وما سيكون في المستقبل. وهذه الأزمة تحتاج إلى مقال آخر نأمل أن نستفيض فيه