17 سبتمبر 2025

تسجيل

رحم الله من كان متغافلاً

27 أبريل 2021

يحكى أنه كان هناك ملك أعرج ولا يرى إلا بعين واحدة، وفي أحد الأيام دعا الفنانين في مملكته ليرسموه دون أن تظهر عيوبه، فرفض الفنانون رسم هذه اللوحة، فكيف سيرسمون الملك بعينين وهو لا يملك سوى عين واحدة ؟ وكيف يرسمونه بقدمين سليمتين وهو أعرج؟! ووسط هذا الرفض الجماعي تقدم أحد الفنانين وقَبِلَ رسم اللوحة، ورسم لوحة فنية غاية في الروعة، ولكن كيف استطاع أن يتقن رسم هذه اللوحة دون أن تظهر عيوب الملك؟ تصوّر الفنان أن الملك ممسك ببندقية الصيد وهو مغمضٌ إحدى عينيه ويحنى قدمه العرجاء، وبذلك تمكّن هذا الفنان بذكائه وإدراكه أن يُخفي عيوب الملك بهذه الفكرة الذكية!. العبرة من هذه القصة أن الحياة والتعامل مع البشر تحتاج لنظرية مشابهة لنظرية هذا الفنان، فن التعامل مع الآخرين من خلال نقل إيجابياتهم للآخرين والتغاضي والتغافل عن عيوبهم مهما كانت وبلغ حجمها وأثرها في مشاعر الآخرين، فما تنقله من صفات لفلان أو فلانة لن تجني منه إلا الغيبة والنميمة ومخالفة تعاليم ديننا الحنيف وسيلقى أثراً سلبيا في نفوس من نقلت لهم وسيعون تماماً بأنك كما سمحت لنفسك ذكر مساوئ الآخرين فلن يمنعك ذلك من ذكر مساوئهم عند غيرهم! ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فعندما كان يشتمه كفار قريش وينادونه مذمماً، فما كان منه إلا أنه قال " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد " صلوات الله وسلامه عليه، وما أرشدنا فيه ديننا الحنيف في قوله تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) " الفرقان آية 63 " وقوله تعالى (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) " القصص آية 55 " وعن التغافل والتجاهل قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: " تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل)، وقال الحسن البصري رحمه الله: " ما زال التغافل من فعل الكرام "، نعم إنه من فعل الكرام الذين أبت نفوسهم أن تخوض فيما لا ينفعهم في الدارين ويُكسبهم الإثم والخسران المبين، فخير لهم أن يقولوا خيراً أو يصمتوا عن أذى الناس والخوض في عيوبهم ونقلها للناس ليتداولوها بينهم في الشر دون الخير !!. وكثيراً ما نرى أشخاصاً في المجالس أو مقار العمل أو أي تجمع لا يطيب لهم حديثاً إلا في التحدث عن عيوب إخوانهم ومساوئهم وكأنهم خالون من العيوب والمساوئ، يُجيدون تحريف القصص والافتراء على أصحابها والإفراط في بهتانهم، وفي النهاية لا ربحاً جنوه ولا خيراً فعلوه سوى أنهم بهتوا إخوانهم ورموهم بما لا يليق باخوتهم أو قرابتهم أو صداقتهم. فاصلة أخيرة قيل في التغافل إنه عندما تغض الطرف عن الهفوات، وألا تحصي السيئات، وأن تترفّع عن الصغائر، ولا تركز على اصطياد السلبيات، فهو فن راق لا يتقنه إلا محترفو السعادة، وقد قالت العرب قديماً: ليس الغبي بسيد قومه... لكن سيد قومه المتغابي " أي المتغافل " [email protected]