14 سبتمبر 2025

تسجيل

تحديات تواجهها لغتنا العربية (4)

27 أبريل 2015

ارتفعت في الآونة الأخيرة الآراء- خاصة في الدول العربية- محذرة من ظاهرة تدني مستوى اللغة العربية بين أبنائها، وأن الكثيرين من التلاميذ في مختلف المراحل التعليمية- بلا استثناء- أصبحوا لا يستخدمون بطريقة صحيحة لغتهم الأم (العربية) نطقاً وكتابة ونحوا، ومما زاد الأمر قلقاً أن أصبح أبناء الجيل الحالي يستخدمون ألفاظا ومفردات دخيلة على مضمون اللغة العربية ومفرداتها. وفي بريطانيا كلمة شائعة تتردد على ألسنة التربويين الإنجليز هي: «على معلم أي مادة أن يعتبر نفسه معلما للغة الإنجليزية» وهذه الجملة تعكس احترامهم للغتهم، وحرصهم على أن يكون جميع المعلمين ملتزمين بقواعدها في تدريسهم لموادهم الدراسية المختلفة.. ونحن هنا نجد معلم اللغة العربية حينما يريد أن يرفع معنويات تلميذ أصاب في إجابته يقول له: «برافو» أو يقول مثلا: «جدع يا ولد» [ وليس جدع يا باشا!! ] وكلتا الكلمتين سيئة فالأولى أجنبية والثانية عامية، ثم إن الإنجليزية هي لغة التعليم في بلادنا في بعض الكليات.. وقد يكون هذا ضروريا ولكننا ننادي بدراسة التجارب العربية الأخرى في مجال تعريب الدراسة الجامعية، ونقترح أن يستعان بلغة أجنبية إلى جانب العربية، لا أن تصبح اللغة العربية – في بلد عربي – لغة من الدرجة الثانية.. إن ذلك في رأينا بقية من آثار الاحتلال الإنجليزي زادها تدعيما تخلفنا الثقافي والعلمي عن الغرب.. وزاد الطين بلة: هذا السيل المنهمر من البرامج والمسلسلات والأفلام الغربية التي تنقلها الشاشات إلينا صباح مساء. ومن استقراء كتابات المهتمين، يمكن تلخيص أهم مظاهر شيوع اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية فيما يلي: - انتشار ما يسمى بمدارس اللغات والمدارس التجريبية حيث يكون التدريس في هذه المدارس باللغة الإنجليزية. ويرى التربويون أن منهج اللغة الانجليزية الذي يدرس بمرحلة التعليم الابتدائي يسهم في نشر ثقافة غربية تعبر عن طبيعة مجتمعات الدول المتقدمة التي تدعم التعليم بالإضافة إلى الثقافة العربية التي تدعمها التربية ومن هنا يقع الطلاب بين ثقافتين متناقضتين غير متكافئتين،ثقافة تراثية مفعمة بالمواطنة والأصالة،وأخرى تغريبية تسلبه المحلية والتراث،وبين ثقافة الغنى والرفاهية وثقافة المعاناة والعوز،وبين ثقافة المادة والمظهر،في مقابل مبادئ الروح والعقيدة والتأمل،وبين ثقافة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان،وممارسات قهر من بعض الحكومات والسلطة،بين ثقافة تبدو في المكان بعيدة،وبين حضورها القريب في كل مكان،بين ثقافة الخصوصية والتفرد،وثقافة العامة في متناول الجميع والموحدة في النمط والدرجة وأسلوب الحياة والتفكير،بين ثقافة الوحدة العالمية في المكان،والانفصالات الإقليمية الجغرافية،بين ثقافة الذات والانتماء،وثقافة الاغتراب والانبهار بالغرب،بين المغايرة في تعدد الثقافات المطروحة،وبين المسايرة والانصياع لعالم جديد. وهذا الواقع يؤثر سلبيا في هوية المجتمع المصري الإسلامية مقابل تكريس الانتماء والولاء للثقافات الأجنبية، فإهمال مدارس التعليم الأجنبي للغة العربية وجغرافية البلاد وتاريخها والتربية الدينية والتربية القومية مقابل العناية باللغات الأجنبية وجغرافية البلدان الأجنبية وتاريخها، يحول ميول عدد كبير من الناشئين بعيداً عن أوطانهم فيتطلعون إلى البلد التابعة له المدرسة التي تعلموا فيها، مما يؤثر على الهوية الثقافية لهذا البلد. فمثلا، تلزم بعض المدارس الأجنبية في مصر الطلاب بدراسة ما يسمونه بالتاريخ المقدس، وهو تاريخ الأنبياء من سيدنا إبراهيم إلى سيدنا عيسى دون أي ذكر للنبي محمد عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، كذلك فإن معظم الكتب بهذه المدارس تمجد الدولة التي تتبعها المدرسة، بل بلغ الأمر إلى حد أن اشتملت بعض هذه الكتب على معلومات خاطئة مضللة عن مصر ذاتها، ومن ثم فإن مثل هذه الأمور، بالإضافة إلى ضعف التوجيه القومي لهذه المدارس، يضعف من هوية المجتمع وانتماء وولاء الطلاب لها - تدريس المجالات العلمية بالجامعات كالطب والصيدلة والعلوم الطبيعية باللغة الإنجليزية. فضلاً عن ا بتداع برامج جديدة بكليات التجارة والحقوق في بعض الجامعات لتدريس المقررات الدراسية بهذه الكليات باللغة الإنجليزية وهذا الوضع يشكل صعوبات لغوية تعوق عملية التحصيل والتعليم، حيث إن الدارس يتعامل مع اللغة الأجنبية بطريقة رمزية وآلية نظرا لأنه يتواصل ويفكر في كل حياته اليومية باللغة التي يستخدمها فعلا في حياته اليومية وهي العربية، وليس باللغة الإنجليزية، فالتعليم بلغة أجنبية من شأنه أن يبدد جهد الدارس للتغلب على الصعوبات اللغوية. كما أن التعليم العالي باللغة الأجنبية، ولاسيَّما في مجالات تعليم العلوم، يؤدى إلى تقليص حركة التأليف والتصنيف باللغة الأولى، وإلى الاكتفاء أحياناً بما يستورد من الكتب والمقررات والمراجع المدونة باللغات الأجنبية التي تعتمد في التدريس والتعويل عليها.