13 سبتمبر 2025
تسجيلكان يغالبه النعاس، ففرك عينيه مراراً وتكراراً محاولاً كبح جماح النوم والاستسلام لكتابة مقال.. يحك شعر رأسه الجعد المفلفل بين عشية وضحاها، علّه يخرج بفكرة مبتكرة لتصفّق له الدنيا ومن فيها... اتكأ بظهره على الكرسي رافعاً رأسه لأعلى ومتمتماً بكلمات فخر واعتزاز بالنفس: "أنا الكاتب الفذّ"... أوراق منثورة على طاولته المُثقلة بكتب عن التنويم المغناطيسي وفنون الكاراتيه، جهاز لاب توب ذو شاشة مخدوشة موجهة أشعتها على وجهه باهت اللون، يرتدي نظارة طبية تُضفي على ملامحه معاني الثقافة والعلم، وأما العقل فهو في حقيقة الأمر علبة فارغة... يتصارع مع اصبعه الإبهام لقطع مقدمة أظافره بأسنانه الصفراء لإخراج فكرة ما... يعصر مخيخه الأيمن تارةً والأيسر تارةً أخرى مردداً: "أنا الكاتب الفذّ"، شَرَّعَ عيناه لوهلة مُركزاً على دفتره، رافعاً حاجبيه بدهشة مبهوتة، مغلقاً فمه بإحكام ولكن بطريقة بلهاء، إنه يحاول أن يخرج بفكرة... فكرة... ف. ك. ر. ة، وفجأة وضع يده في جيبه كأنما يبحث عن شيء تائه، إلى أن أخرج علبة السجائر لتهدئة بقايا حيرته، أشعل سيجارة شحيحة، مرتشفاً بها نفساً عميقاً مليئاً بالتلوث، ثم أخرج زفيراً طويلاً راجياً أن تتناثر بعض الأفكار المُختلطة بالنيكوتين...ظل يتساءل: ماذا أكتب أيتها الأنا العظمى؟ لم يجد أية إجابة!فراوده سؤال آخر: هل تعلمي أيتها الأنا من حضرتي في عالم الكتابة؟ فردّت الأنا بِأُهْكُومَة: "مزهرية من العهد العثماني!"..فخبط طاولته بيده الضخمة ثم قال: "أنا الكاتب المشهور الفذّ لذا قررّت كتابة يومياتي!!!".هدوء مُضطرب عم المكان لدقائق معدودة... دهشة جليّة رُسمت على قلمه! اعتدل دفتره في جلسته والصمت يُخيّم على سطوره... رجل ميّت مرسوم في لوحة مُعلقة على حائط غرفته الباردة، أخرج رأسه من اللوحة ونظر إليه بذهول مُخيف... سيجارته انطفأت لوحدها بعد أن أُغشي عليها من هول الصدمة، شاشة اللاب توب أغمضت عينيها مرددةً الحولقة، لا تسمع سوى صوت صرصار الليل وهو يُصفّر ويُخالط صفيره شيئا من الاستغراب قائلاً: "يا حافظ... يا كافي!!!".وفجأة انفجر الجميع من الضحك... والدفتر شق منتصف وريقاته من شدة القهقهة... كل من في الغرفة في حالة إِهْزَاق يُرثى لها، وبينما هم يضحكون التفت عليهم "الكاتب الفذ" وعيناه يخرج منها الشرار، فصرخ بهستره على حِين غِرَّة: "خلاااااااااااص!"، حينها صمت الجميع مرتعدين، فظلّ مكفهرّ الوجه حرْدان! التفت يمنةً ويُسرةً قائلاً: " ألأنني رغبت في كتابة يومياتي للناس تسخرون؟ ألم تعلموا بأنني كاتبٌ حصيفٌ... أريبٌ.. ألمعيّ، لم ولن يكتب أحدٌ كما أكتب أنا، ما لكم كيف تحكمون؟قال قلمه: "إني أبرأ إلى الله مما تعمل! وأشهدُ بأنك مُشَمْخِرٌ ولا تعي ما تقول!، أتترفع عن التواضع يا من أدخلت على نفسك الغرور؟ تظن بأنك كاتبٌ فذٌ وعبقري وليس كمثل كتاباتك شيء؟ فلا تُضحكني يا هذا بيومياتك التي ستجعل الآخرين يرمونها جانباً، أتعتقد نفسك "كولن باول" يا مغرور؟ أبذكائك الذي تدعّي ترى الناس صغاراً مدحورون؟ "مايصحش يا أونكل مايصحش" تكن متكبراً في الكتابة كتكبر فرعون!.... أم أنك تناسيت قوله تعالى: "وفوق كل ذي علمٍ عليم"؟ وفي نهاية المطاف تسألنا ما لكم كيف تحكمون؟ ... فبُهت الكاتب من كلمته، فإذا به يركبه الغضب فتشابك مع قلمه حتى صباح اليوم التالي فصرعه، فركب سيارته (البيجو) مرتدياً نظارته الشمسية كأنه "جيمس بوند" وهو يقود سيارته الاستخباراتيه، متوجهاً إلى عمله، عاقد النية على أن يستأنف جنونه و"حرّته" في سكرتيراته اللاتي يعاملهن كالخادمات، كاشفاً عن سوء سريرته، وأن الكتابة بالنسبة له مجرد "شووو" وغرور لا أكثر، ناثراً بعضاً من الجمل والمبادئ التي تنافي شخصيته تماماً، مُحثاً على الأخلاق العالية وهو يخالفها في الواقع، فهو كمثل البعض الذين يقولون مالا يفعلون.ومضة أخيرةهذه قصة خيالية من عالم آخر.. حدثت في العصر الحجري المُنعم بالتطور... قام بتأليفها قلمي المجنون.... ولكن بطل القصة قد يكون على قيد الحياة!