13 سبتمبر 2025

تسجيل

التقشف المالي الأوروبي خيار أم ضرورة

27 أبريل 2014

لجأت الكثير من دول العالم في أعقاب الأزمة المالية العالمية الراهنة إلى أتباع سياسات مالية مختلفة اتسم بعضها بالتوسع من خلال ضخ المزيد من الأموال في شرايين الاقتصاد "فيما عرف بسياسة الحزم المالية التحفيزية" ، وكان من أهم المروجين والمطبقين لها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ... بينما اتبعت معظم الدول الأوروبية سياسة مالية انكماشية تمثلت في القيام بعض الإجراءات التقشفية القاسية بهدف تقليص معدلات العجز المرتفعة والسيطرة على نسبة الديون إلى إجمالى الناتج المحلي.ولم يكن أمام العديد من الحكومات الأوروبية وخاصة تلك التي تواجه أقساط ديون مرتفعة وتجد صعوبة كبيرة في السداد كإسبانيا وإيطاليا، أو تلك التي لم تستطع إقناع المؤسسات التمويلية بمنحها ما تحتاج إليه من تمويل في ظل ظروفها المالية والاقتصادية الصعبة كاليونان والبرتغال وأيرلندا إلا أن تقلص من إنفاقها وتتبع سياسات وإجراءات تقشفية عنيفة كي تقنع بعض هذه المؤسسات التمويلية كصندوق النقد الدولي وغيرة، مع التأكيد على أن أتباع هذه الدول لتلك السياسات لم يكن خياراً وإنما ضرورة لضمان تحقيق القدرة المالية لحكوماتها وزيادة الضرائب، ومن ثم رفع معدل النمو الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل. الإجراءات التقشفية الأوروبي تزيد القدرات المالية: ويؤكد العديد من الخبراء والمحللين الماليين أن الإجراءات التقشفية الأوروبية ستزيد بلا جدال من القدرات المالية لحكومات هذه الدول وستتسبب بالتالي في خفض نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، ويرون أنه لا داعي للتخوف من الزعم القائل بأن هذه النسب سوف تتزايد في المدى القصير وخاصة في الدول الواقعة جنوب القارة الأوروبية بما يعطى دلالة بأن هذه الإجراءات والسياسات قد حققت فشلاً كبيراً، بل على العكس من ذلك فإنهم يرون أن هذه الإجراءات نجحت في استعادة التوازن المالي الخارجي بالعديد من هذه الدول بما أسهم في تقليل مخاطر عدم السداد لأقساط ديونها.إلا أنه على هذه الدول ضرورة الإدراك بأن نجاح الإجراءات التقشفية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتنفيذ مجموعة أخرى من الإصلاحات الهيكلية الكفيلة بزيادة احتمالات النمو طويل الأجل، ويرتبط كذلك بإصلاح نظام المعاشات الذي يمكن أن يلعب دوراً مهماً وفعالا في خفض التكلفة المالية للشعوب وبصفة خاصة تلك التي تتميز بزيادة أعداد ونسب المسنين بها.ويجب التسليم بأن العبء الأكبر بأي مديونية يتمثل في الديون الخارجية التي لا يمكن سدادها إلا بالاعتماد على التوسع في عمليات التصدير، ومن ثم فإن الدول التي تعانى من مديونية خارجية كبيرة أو عجزاً في الميزان التجاري لا يجب قياسها بنسبة المديونية إلى إجمالي الناتج المحلي وإنما تقاس من خلال نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات، وهي النسب التي بدأت مؤخراً فى التحسن بشكل إيجابي في العديد من الدول الأوروبية، لتبرهن للجميع على أن الإجراءات التقشفية قد نجحت في تحقيق أهدافها بهذه الدول.إلا أن الأمر يختلف كثيراً في حالة الدول النامية التي يجب على العديد من حكوماتها أن تدرك أن الإجراءات التقشفية لن تحقق لها التنمية المنشودة أو حل جميع المشاكل الاقتصادية والمالية، بل إن خفض الإنفاق سوف يؤدى إلى زيادة المعاناة والتضرر للكثيرين من مواطنيها في ظل زيادة معدلات البطالة وخاصة بين صفوف الشباب بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض المستوى المعيشي، بما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الأثرياء والفقراء ويسهم في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي ويزيد من احتمالات الغضب والسخط الشعبي، وخير مثال على ذلك ما حدث في دول ثورات الربيع العربي.خيارات الدول النامية للإصلاح الاقتصادي: ويكون أمام هذه الدول النامية مجموعة من الخيارات المختلفة التي تستطيع من خلالها تحقيق التعافي الاقتصادي كإعادة هيكلة الديون والتوسع بشكل تدريجي في فرض الضرائب على الأغنياء الذي يزيد دخلهم السنوي عن حد معين "متفق عليه" ومكافحة التهرب الضريبي التي تحرم حكوماتها من إيرادات ضخمة، بل واللجوء أحيانا إلى تنفيذ بعض الحزم المالية التحفيزية التي تركز جل اهتمامها على إقامة مشروعات البنية التحتية التي تخدم عمليات التنمية والاستثمار كما أنها تخدم أيضاً الأجيال الحالية والمستقبلية، وتخلق كذلك الآلاف من فرص العمل السريعة والكثيفة وتحسن في ذات الوقت من مستوى معيشة مواطنيها وتحقق لهم المزيد من الرواج الاقتصادي.وبذا تتحقق مقولة أن ما يصلح من سياسات وإجراءات مالية واقتصادية بدولة ما لا يصلح بالضرورة بدولة أخرى، وبالتالي فإنه إذا كانت الإجراءات التقشفية قد آتت ثمارها في بعض الدول الأوروبية فإنها لم تنجح في الكثير من الدول النامية، مثلها في ذلك مثل الإجراءات التي يقوم بها صندوق النقد الدولي التي استطاعت "إلى حد كبير" علاج الكثير من المشاكل المالية في بعض الدول كإسبانيا واليونان والبرتغال بينما أدت إلى الكثير من الاحتجاجات والاضطرابات والثورات الشعبية الرافضة لهذه الإجراءات والشروط بالعديد من الدول النامية، وذلك بالنظر لاختلاف الظروف والسمات الثقافية لكل دولة عن غيرها من الدول.