29 أكتوبر 2025
تسجيللا يماري أحد في كون التربية وسيلة كل مجتمع لتحقيق فردية المواطن لأنها تساعده على تنمية قدراته وميوله واكتسابه المهارات العامة في جميع نواحي الحياة المختلفة. إذ من خلالها يتسنى تحويل الأفكار إلى سلوك ملموس في الحياة اليومية لأن مهمة التربية الأولى هي تغيير سلوك الأفراد ومساعدتهم على التفاعل في المجتمع بإيجابياته، ومواجهة سلبياته. ولأن التربية هي الوسيلة الوحيدة الفعالة في إعداد الأفراد وتنميتهم في جميع نواحي الحياة، يتوجب عليها أن تغير نظرتها إلى الطالب في هذا العصر، فلم يعد معيار الحكم في الوقت الحالي على نجاح الطالب وتفوقه هو ما حفظه من المعلومات وما دوَّنه في كراسة إجابته، فاعتماد هذا المعيار حوَّل عملية التعليم إلى معاناة، وحوَّل عقول الطلاب إلى آنية فارغة يصب فيها المعلم كلماته دون أن يترك للطالب فرصة للتفكير والتساؤل والنقد والإبداع الذي نحتاجه في عصرنا هذا الذي نعيشه. ولن يتأتى تغيير هذا المعيار [ أعني الحفظ والاسترجاع] إلا من خلال تطوير المناهج الدراسية، فمستقبل الأمة العربية محكوم بنوعية من المناهج التي تشكل أبناء الأمة وتعدهم للتفاعل الناجح مع ديناميات المستقبل التي توجه المجتمع وتوفر له تربية جديدة وسليمة في عصر مملوء بالمتغيرات والتحديات والتلاقح الثقافي. وقد انعقدت – على المستوى العربي - عدة مؤتمرات محلية وعربية من أجل تطوير التعليم منها: ما أوصى به المؤتمر العلمي الرابع لكلية التربية جامعة حلوان عام 1996 من: "ضرورة الاهتمام بتطوير المناهج بمفهومها الشامل،مع تحقيق المواءمة الدينامية والمستمرة بين ما توفره للمتعلم من معارف ومعلومات وأساليب البحث والتفكير ومهارات وقيم وأخلاقيات تتفق مع المتغيرات العالمية والمحافظة على الهوية العربية في ذات الوقت" كما أشار المؤتمر الأول لوزراء التربية والتعليم والمعارف العرب بطرابلس بليبيا عام 1998 إلى: "ضرورة أن يبقى التعليم عرضة للمراجعة والمقارنة باستمرار مع الأمم الأخرى المتقدمة". والمنهج الدراسي، مهما تكن مزاياه وقت بنائه، يصبح منهجاً جامداً ومتخلفاً، وعائقا من عوائق تطور الأمة، إذا لم يكن فيه من المرونة ما يسمح بإدخال التعديلات التي تتطلبها قدرات الطلاب وحاجاتهم المتجددة جيلا بعد جيل، أو التعديلات التي يتطلبها المحتوى المعرفي للمنهج نتيجة ما يستجد من تغييرات وحاجات رئيسية في المجتمع أو ما يستجد من نتائج بحوث التربية وعلم النفس وتجاربه. لذلك يتعين الاهتمام بمراجعة المناهج وتقويمها من حين لآخر بهدف تطويرها في ضوء الجديد من الظروف السياسية والاقتصادية، والمتغيرات العلمية الحديثة. لذلك لا يماري أحد في أن التطوير والتغيير من لوازم العملية التعليمية والتربوية، ومن أحد النتائج المترتبة على الوعي بحقيقة هذا التغيير هو مواصلة الجهود بصفة مستمرة من أجل تطوير التعليم، ليواكب الأحوال المتغيرة اجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً، وسياسياً، ومن أجل أن يسهم في توجيهها وتشكيلها بما يؤدي إلى تقدم الإنسان ورقي المجتمع. وأي متابع للشأن التربوي عالميا يلحظ بسهولة اهتمام الدول المتقدمة والنامية على حد سواء بالتعليم وضرورة تطويره، فالدول المتقدمة رأت في تطوير التعليم وسيلتها للتقدم إيماناً منها بأن الدولة التي تملك المعرفة المتطورة هي التي يكون لها السبق في مجالات الحياة،وهي التي يمكنها أن تحقق معدلات أفضل من التنمية البشرية، أما الدول النامية فتطوير التعليم فيها يشكل الأمل المنشود – وربما الوحيد – في التغيير المجتمعي والحضاري، لكونه أضمن السبل لتحقيق النهضة والرقي. ويتضح مما سبق: أن التطوير هو الركيزة الأساسية في نجاح العملية التعليمية. فالنظام التعليمي الناجح، يعد رائداً للتطوير والإبداع والتنمية في المجتمع، وصاحب المسؤولية الكبرى في تنمية أهم ثروة يمتلكها مجتمع وهي الثروة البشرية. ويرى التربويون أن مناهج التعليم يمكن أن تعد الطلاب كمواطنين إيجابيين من خلال: 1- تمكين الطلاب من أن يحللوا ويفسروا ويكتشفوا ويتعاملوا مع بيئة سريعة التغير. 2- التنمية الشاملة للطلاب، لإكسابهم – عبر المناهج وطرائق التدريس- قدرات تساعدهم على التعامل مع متغيرات العصر 3- أن تتيح المناهج الدراسية للطلاب والمعلمين معا فرصا مناسبة لتعليم يحافظ على انتمائهم الوطني وهويتهم وقيمهم. 4- لا بد للمناهج من استيعاب القضايا والمشكلات المستحدثة. 5- أن تنمية المواطنة لدى الطلاب من أهم سبل مواجهة تحديات المستقبل. 6- أن هوية المتعلم/ المواطن تتحقق عن طريق نشر معظم قضايا المواطنة الأساسية سواء أكان ذلك في المدرسة من المنهج الدراسي (المحتوى، الأساليب، الاستراتيجيات، الأنشطة والمناخ الدراسي) أم خارجها (في مؤسسات المجتمع) وفق مخططات علمية مدروسة لتنمية الطلاب اجتماعيا وسياسيا. [email protected]