12 سبتمبر 2025

تسجيل

هل هذا هو الإصلاح الموعود في سوريا !

27 أبريل 2011

"هل هذا هو الإصلاح الذي وعدونا به"..كانت هذه هي العبارة التي علّق بها مواطن سوري بعفوية على مذابح يومي الجمعة والسبت الماضيين التي عرفتها أكثر من محافظة سورية، واتُهمت بها قوات الأمن أو الجيش أو كلاهما، من موقعه في ريف دمشق كشاهد عيان تحدثت إليه قناة الجزيرة. والإصلاح الذي نوه إليه هذا المواطن السوري بلغة الاستفهام الاستنكاري يتضمن إشارة إلى مراسيم بإنهاء العمل بحالة الطوارئ وإلغاء العمل بمحكمة أمن الدولة سيئة السمعة والتي صدرت عن الرئيس الأسد، وما صدّع به الإعلام السوري الرؤوس عن هذه المنجزات بغضّ النظر عن تأخرها ومحدوديتها وما رافقها من حملات دعائية، وكأنها منّة وليست حقا من الحقوق الأصيلة للشعوب، أو تصحيحا لخطأ أو أخطاء يصل عمره أو عمرها إلى حوالي نصف قرن من الزمن. إن خروج الشارع السوري في احتجاجاته السلمية بالحجم والكثافة التي نقلتها عدسات التلفزة والتعامل الأمني العنيف معها يكشف بوضوح أن " الوعود الإصلاحية"، لم تكن سوى كذبة لم تحتج إلى وقت طويل ليتضح زيفها، فالإصلاح ليس شعارات ترفع أو قوانين تسنّ وإنما ممارسة عملية وسلوكية، يجب تلتزم بها أجهزة الدولة كلها من دون استثناء. انعدام الثقة بين الشعب والنظام الحاكم في سوريا قديم بسبب مظالم الأخير المتراكمة عبر أربعة أو خمسة عقود، لذا فإن تغيير هذه النظرة كانت تتطلب من النظام سرعة وصدقا وجدية، ولكن أيا من ذلك لم يحدث البتة، ورغم أن الشعب أعطى نظامه فرصة ذهبية تزيد على شهر ونصف الشهر، لعله يخرج من جلده القديم، إلا أنه اكتشف أنه ممعن في عقليته الأمنية القديمة والطريقة الإعلامية الدعائية المضللة دون تغيير أو تبديل. سمع الناس أن الرئيس السوري أمر أجهزته بعدم إطلاق النار على المتظاهرين في درعا التي انطلقت منها الثورة وفي المدن الأخرى باعتبار أن الاحتجاج حق من حقوقهم، فإذا بشلالات دماء الشهداء والجرحى يزداد تدفقها، حتى لم يسلم من ذلك مشيعو جنائز الضحايا، أو الأطفال الصغار الذين هم في عمر الورود، فيما اعتذرت قنوات فضائية عن بث بعض صور القتلى التي وصلتها لقساوة المشاهد وفظاعتها، وكشفت الصور أيضا كيف تذِّلّ قوى الأمن المواطنين المحتجين في "البيضا" التابعة لبانياس، وهي تدوس على ظهورهم ورؤوسهم وتركل أجسادهم، وتسبّهم بأقذع الألفاظ السوقية لأنهم ينادون بالحرية. وأمّل الموطنون السوريون خيرا بصدور قوانين رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة وتنظيم المظاهرات فإذا بعدّاد المعتقلين يرتفع مؤشره، بما في ذلك المثقفون والناشطون الذين لا ذنب لهم سوى التعبير عن رأيهم في وسائل الإعلام مثل فايز سارة وجورج صبرا وغيرهما، كما لاقى أول مواطن سوري نفس المصير عندما تقدم بطلب لتنظيم مسيرة سلمية في محافظة تقع في الشمال الشرقي من بلاده. وعندما صبّر الشارع نفسه للاستماع إلى تليفزيون بلاده في خضمّ هذه الأحداث المتأججة، بحثا عن تغييرات كثر الحديث عنها ـ بعد أن ملّ سماعه منذ زمن بعيد لأنه لا يسبح إلا بحمد البعث الحاكم وزعيم البلاد ولا يتحدث إلا بلغة الشعارات الممجوجة ـ كان عليه أن يكذّب ما تراه عينه في الميدان، ويصدّق الكذب المفضوح والتزوير المكشوف لبيانات حكومته وإعلامه، فالضحايا قتلوا على يد العصابات المندسة بين المتظاهرين وليس قناصة أجهزة الأمن، والدم المسفوك سببه " قوارير الدم" أو الأصباغ التي يحملها المتظاهرون لتضخيم الأحداث، وليس الرصاص الحي لجنود الحواجز الأمنية، وأكثر من 120 شهيدا ـ الذين سقطوا الجمعة الماضية فقط ـ كما العادة، بسبب اعتداءات المواطنين (العزل) على قوى الأمن أو قيامهم بأعمال شعب وحرق وتخريب، والبادئ ـ برأيهم ـ أظلم! كما كان يفترض من المواطنين طبعا أن يصدقوا تخبط إعلام النظام الذي لم يترك جهة إلا حملها وزر الاحتجاجات السلمية: "القاعدة"، "الأصوليون"، " السلفيون الجهاديون"، " المندسون" المغرضون، الأجانب "القادمون من وراء الحدود" "الفلسطينيون القادمون" من المخيمات"، " الإخوان المسلمون"، " تيار المستقبل" بلبنان، بحكم أن سوريا مستهدفة خارجيا لأنها دولة مواجهة! لهذه الأسباب وغيرها لم تعد الشكوك بالنظام مقتصرة على الشارع العادي بل امتدت لشخصيات كانت محسوبة على النظام أو قريبة منه بعد أن شعرت بالحرج من دموية النظام ومجازره وأكاذيبه التي لم تعد تنطلي على أحد، فقدمت استقالاتها من عضوية مجلس الشعب، ومسؤوليات أخرى احتجاجا على ذلك (نائبان عن محافظة درعا حتى الآن: ناصر الحريري وناصر الرفاعي، ومفتي درعا: رزق بايزيد)، وحملوا رئيس الدولة مسؤولية ما يحدث. إن على النظام السوري أن يتحمل مسؤولية وعوده الإصلاحية غير الجدية والتفافه على إرادة الجماهير والتي باتت مكشوفة للشارع المحتج، الذي لم يعد يرضى الآن ـ على ما يبدو ـ بغير تغيير النظام بعد أن كان حديثه في بداية انطلاقة الثورة في منتصف مارس الماضي مقتصرة على المطالبة بإصلاح هذا النظام.