15 سبتمبر 2025
تسجيلما زلنا في سياق الآيات التي توقفنا عندها في المقال السابق، وقد حاولنا الوصول إلى سرعة الريح المسخرة لسيدنا سليمان بناءً على المعطيات التي وردت في الكتاب والسنة وكتب السيرة، وباستخدام قانون السرعة كما بينا، وسنحاول هنا أيضًا أن نسلط الضوء على جانب من قصة ملكة سبأ ونكشف أسرار رحلة عرشها إلى مملكة سيدنا سليمان في الشام، ولماذا رفض سليمان مبادرة عفريت الجن؟ وما السرعة التي أُحضر بها العرش. وكما هو معلوم فإن سيدنا سليمان قد دعا الله أن يؤتيه ملكًا عظيما لا ينبغي لأحدٍ من بعده: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، فسخر الله له الريح والإنس والجن والطير، قال تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، وعلمه الله أيضًا منطق الطير: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)، ثم توالت الآيات في سورة النمل حول قصة ملكة سبأ التي جاء الهدهد بخبرها وما دار من حوار بين الملكة وشعبها حتى قررت أن تلبي دعوة سيدنا سليمان حيث قال (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، فتوجهت مع ملوك قومها وسادتهم إلى الشام. وكان سيدنا سليمان يبعث الجنّ فيأتونه بمسيرها ومنتهاها كلّ يوم وليلة، فلما دنت جمع من عنده من الجنّ والإنس فقال: (يَاأَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، يعني من ينقل عرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام قبل أن يصلوا إلي؟ هنا قال أحد عفاريت الجن، والعفريت هو أعلى مراتب الجن وأقواها، قال: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)، أي سيأتي بعرشها من سبأ التي تبعد في حدود الفين وخمسمائة كيلو متر عن الشام، وسيأتي به قبل أن يقوم سيدنا سليمان من مجلسه حيث يقضي بين الناس من أول النهار حتى زوال الشمس كما جاء في التفاسير، وهذا يعني أن عفريت الجن يقطع المسافة بين سبأ والشام ذهابًا وإيابًا في خمس ساعات تقريبًا، ومن تلك المعطيات تكون سرعة عفريت الجن في حدود الف كيلومتر في الساعة، والله أعلم، وذلك في حدود سرعة طائرة ركاب، إلا أن سيدنا سليمان قال أريد أعجل من ذلك فملكة سبأ وقومها أصبحوا على مسافة قريبة جدًا. هنا ننتقل لمشهد أكثر إثارة عندما قال أحد جلساء سيدنا سليمان وكان من الإنس الذين وهبهم الله علمًا من الكتاب، وقيل إنه يعلم اسم الله الأعظم: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)، ومعنى طَرفَ في قاموس اللغة أي أطبق جفنه على عينه ثم رده إلى مكانه، والمقصود في الآية والله أعلم أن الذي عنده علم من الكتاب سيأتي بالعرش بمجرد إطباق الجفن على العين وقبل أن يرتد إلى مكانه، وقد علمنا مما تقدم المسافة بين سبأ والشام، وحتى نتوصل إلى السرعة التي نقل بها العرش في طرفة عين نحن بحاجة لمعرفة الوقت الذي يستغرقه جفن العين حتى يطبق عليها ثم يرتد، وقد بحثت في العديد من المواقع العلمية عن سرعة طرفة العين فوجدتها في حدود عُشر الثانية، وهنا يتبين لنا أن الذي عنده علم من الكتاب قد قطع المسافة بين سبأ والشام ذهابا وإيابا، أي خمسة آلاف كيلو متر قبل ارتداد الطرف أي بمجرد انطباق الجفن على العين كان العرش موجودًا، وبتطبيق قانون السرعة تكون سرعة الذي عنده علم من الكتاب مائة الف كم/ث وذلك يعادل ثلث سرعة الضوء، وتلك السرعة العظيمة لم يصل لها العلم الحديث حتى يومنا هذا، فحسب موسوعة جينيس أسرع صاروخ صنعه الإنسان هو الصاروخ الفضائي الذي حمل مسبار باركر إلى الشمس وبلغت سرعته القصوى 163 كم/ث. هذا واللهأعلىوأعلم