15 سبتمبر 2025

تسجيل

التمويل والتنمية

27 مارس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ما يدفعنا للحديث عن علاقة التمويل والتنمية هو تقرير نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية نقلت فيه بيانات لـ "بنك التسويات الدولية" تبين فيه إن المبلغ الإجمالي لعقود المشتقات المالية بلغ 550 تريليون دولار عام 2015. وصحيح أنه انخفض عما كان عليه عام 2012 والبالغ من 700 تريليون دولار إلا أنه لا يزال يمثل ضعفي مجموع قيمة الأصول الحقيقية. وتوضح البيانات أن العنصر الأكبر في هذه العقود هو عقـــود مقايضـــات سعر الفائدة، تليها مشتقات العملات الأجنبية ثم عقود مقـــايضـــة العجــز عن التسديد.وصحيح أن هذه الأرقام لا تمثل مخاطر بالمطلق لأن عقود البيع في هذه المشتقات يقابلها دائما عقود شراء، وبالتالي يتم احتساب المخاطر وفقا لصافي المراكز، ولكن ضخامتها بهذا الشكل بالمقارنة بـ حجم الاقتصاد العالمي الحقيقي (نحو 80 تريليون دولار) يجعلنا نتساءل عن أغراض إصدار والتداول في هذه المشتقات. والجواب من هذه المقارنة واضح حيث إن ربما 10 - 15% منها فقط يرتبط بعمليات مصرفية وتمويلية حقيقية بينما النسبة المتبقية هي بغرض المضاربات وجني الأرباح السريعة مما يجعل أبواب العالم مشرعة دوما على الأزمات الفقاعية التي قد تنفجر في أي لحظة. وهذا ما يجرنا بالضبط للحديث عن علاقة التمويل بالتنمية، هذه العلاقة التي خالفت في تطورها عبر العقود الماضية مسار العلاقة الهامشية أو المضاربية وباتت اليوم أقرب من أي وقت مضى علاقة تكاملية وفقا لأدبيات وتعريفات مجموعة العشرين الأخيرة. وهذا التقارب ناجم عن التطور الذي شهده كلا المفهومين أي مفهوم التمويل ومفهوم التنمية.ففيما يخص مفهوم التمويل، وبعكس النظريات الاقتصادية القديمة التي لم تجد فيه يلعب أي دور في النمو الاقتصادي - وربما يكون دورا سلبيا بعض الأحيان أيضا، اهتمت النظريات الاقتصادية الحديثة كثيرا بالدور الذي يلعبه قطاع المال في التنمية الاقتصادية. وتكمن العلاقة الأبرز بينهما في قيام المؤسسات المالية مثل البنوك وبنوك الاستثمار ومؤسسات الائتمان والأدوات المالية والأسواق المالية بالوساطة بصورة كفؤ وحرفية بين المدخرين والمستثمرين من جهة والممولين والمستثمرين أيضا من جهة أخرى. وبالتالي فإن وظيفة المدخر الذي يريد أن يوظف أمواله تتحقق بشكل كفؤ وكبير مما يشجع كافة المدخرين - وليس المستثمرين فقط - على توظيف أموالهم في مؤسسات التمويل الوسيطة التي سوف تتولى تشغيلها وتوظيفها نيابة عنهم وبالطريقة أو الشكل الذي يختارونه. وهذه الوظيفة كما نلاحظ تركز على تعظيم كفاءة استخدام الأموال الفائضة بما يخدم التنمية الاقتصادية. أي أن مساهمة المؤسسات المالية في التنمية لا يتأتى من خلال توفير التمويل اللازم لبرامج التنمية بل الإسهام الفعال في ترشيد ورفع كفاءة استخدام الأموال في تنفيذ تلك البرامج من خلال الآليات الداخلية لعمل البنوك والقائمة على قياس المخاطرة ودراسة تكلفة وعائد بدائل التمويل.أما على مستوى مفهوم التنمية، فقد جرى تعريف التنمية الاقتصادية منذ مطلع الستينيات بأنها "العملية التي يتم بواسطتها، في بلد معين، تزايد مطرد في متوسط الدخل الحقيقي للفرد عبر فترة طويلة من الزمن". وهذا ما يسمى بالنمو الاقتصادي (economic growth). تلا ذلك تطوير هذا المفهوم ليتم تعريفه بأنه الزيادة المستدامة في متوسط إنتاج الفرد عبر فترة طويلة من الزمن (هذا وإن كان نمواً تلقائياً مقارنة بعملية التنمية).إلا أن هذا المفهوم المبسط للتنمية أثبت فشله الذريع حينما باتت العديد من دول العالم تشهد نمواً اقتصادياً مضطرداً تزامن معه زيادة الأغنياء غنى والفقراء فقرًا. فلقد بات من الواضح أن النمو الاقتصادي بحد ذاته لا يحقق التنمية بمفهومها الاجتماعي حينما لا تتزامن معه أي أهداف وآليات تطال الشرائح الأوسع في المجتمع. من هنا بدأت الأمم المتحدة ومنذ الثمانينيات بوضع تعريفات جديدة للتنمية باعتبارها عملية حضارية مستدامة وحقاً من حقوق الإنسان، حيث تعتبر "التنمية الشاملة عملية مجتمعية واعية ودائمة (sustained) من أجل إيجاد تحولات هيكلية وإحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية تسمح بتحقيق تصاعد مطرد لقدرات المجتمع المعني وتحسين مستمر لنوعية الحياة فيه". وقد تم، أخيرا، التأكيد على عناصر تعريف مصطلح التنمية الشاملة –السابق ذكره– عندما أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مصطلح التنمية البشرية على عملية التنمية المرغوبة، وعرفها بأنها "عملية توسيع نطاق الخيارات المتاحة للناس وتمليك القدرات".وهكذا نلاحظ أيضا أن مفهوم التنمية السليم التصق بتنمية الاقتصاد الحقيقي والإنسان نفسه من خلال تملكيه القدرات اللازمة للعمل والإنتاج. بنفس الوقت بات التمويل قناة رئيسية لبرامج التنمية. وهذه العلاقة هي التي يجب تغليبها بدلا من توظيف التمويل ومشتقاته في خدمة المضاربات وجني الأرباح.