11 سبتمبر 2025

تسجيل

مُعضلة تطوير التعليم

27 مارس 2015

أعتقد أن أى مواطن عربى مخلص لعروبته لن يمل أو يكل أو ييأس من البحث العلمى الجدى فى قضية تطوير التعليم باعتباره قاطرة المجتمع نحو مستقبل أفضل .. ولكننى للأمانة أقول فى البداية أنه ليس لدى أمل كبير فى أن نحسم موضوع تطوير التعليم بكتابة مقال أو مجموعة من المقالات .. ولكنها محاولة من رجل تعليم قديم أتمنى أن يكون لها ثمارها الطيبة فى منطقتنا العربية يعتبر أن نقطة البداية للمستقبل المشرق هو التعليم .. وهو السبيل الأمثل نحو شعوب عصرية متقدمة .. وسنضرب مثلا ببعض النمور الأسيوية التى أصبحت فى طليعة الدول المتقدمة من كافة النواحى .. كما كان فى ماليزيا التى اعتبر " مهاتير محمد " باعث نهضتها أن الشعوب الفقيرة هى التى يجب أن تهتم وتحرص على التعليم حتى تصبح دولة عصرية متقدمة . مثال آخر .. من يذهب إلى جزيرة سنغافورة لابد أن يُعجب بتلك الدولة أو بالأحرى الدويلة التى تنافس دول كبيرة مثل اليابان والصين فى التقدم الصناعى والإقتصادى .. وبرغم مساحتها الصغيرة ( 710 ) كيلو مترا مربعا وقلة تعداد سكانها ( حوالى خمسة ملايين نسمة ) فإن دخلها يزيد عن الثلاثمائة مليار دولار .. وهى أرقام تبعث على الإعجاب . ويرجع السبب فى ذلك أن سنغافورة بعد إستقلالها فى 1965 كان لدى قيادتها الرغبة فى الإنطلاق والتطور وأن تكون مثل الدول الكبرى إقتصاديا .. ومن هنا شرع الأب المؤسس " لى توان يو " فى تحديد ملامح هذا الإنطلاق بالإعتماد على تطوير البنية الأساسية والمتمثلة فى عدة محاور كان التعليم أولها ( بالإضافة إلى الطرق والإتصالات والطاقة ) . وكانت البداية وضع خطط ومناهج لتعليم الشعب وتدريبه على العمل فى مجال الخدمات ومختلف الحرف وفقا للمستويات العالمية فى ذلك الوقت . وعندنا .. طوال السنوات الماضية .. ولعدة عقود خلت .. لم نكف نحن العرب يوما عن الحديث عن مستوى التعليم فى بلادنا .. وعن رغبتنا فى إقتحام قضية تطوير التعليم الشائكة والتى سكتنا عليها زمنا طويلا . وقد يبدأ ذلك – بعد المقالات والتحقيقات الصحفية والبرامج التليفزيونية المختلفة – ببعض الحلول التى حفظناها من كثرة تكرارها .. حتى أصبحت بالنسبة للقائمين على أمور التعليم فى بلادنا وأيضا أولياء الأمور مثل الأناشيد الوطنية والموروثات التعليمية التى بات يدمنها كافة الأطراف . تبدأ برامج تطوير التعليم هذه بالإعلان عن تعديل المناهج التى تدرس بالفعل عن طريق مراجعة المناهج والكتب المدرسية وحذف الحشو والتكرار .. ونحن لا إعتراض عندنا على ذلك حيث يجب التوقف كل فترة ومراجعة ما لدينا من مناهج وإزالة ما قد يشوبها من عيوب .. والوقوف على مدى الإستفادة منها .. وقد يذهب البعض إلى ضرورة تغيير المناهج جميعها أو بعضها بالكامل .. وتكون النتيجة مزيدا من المهدئات والمسكنات لإراحة النفوس .. والملطفات ومساحيق التجميل ذات الألوان البراقة والتى تعتمد على المظهر دون الجوهر . أكثر من هذا أن يُغالى البعض فى طلباتهم ويطالبون بتغيير وزير التعليم نفسه .. وكأنه هو الذى وضع المناهج وطلب تدريسها .. وقد تستجيب القيادة السياسية فى بعض الدول وتنفذ هذه الرغبة إنقاذا للموقف .. وتأتى بوزير جديد .. تارة من أساتذة الجامعات ظنا منها – أى القيادات السياسية – أنهم الأقدر على التطوير .. وتارة أخرى يكون الوزير الجديد من داخل الوزارة نفسها بإعتباره سيكون أكثر قدرة على فهم واقع الأمر .. ولكن هذا أو ذاك دائما ما يأتى دون "منهج جديد " .. أو خطة محددة .. ويبدأ من الصفر .. أو من المربع رقم واحد كما يُقال .. وبعد المقابلات الصحفية والبرامج التليفزيونية والحوارية يقنعنا الوزير الجديد أن لديه الكثير من الدراسات والأبحاث فى ملف التعليم وأنه قادر على إصلاح المنظومة التعليمية برمتها .. ويكون الوزير فى أغلب الحالات مثل من سبقه .. ولن يخلتف عمن سيأتى بعده .. وتتكرر التجربة كل فترة وأخرى .. وتكون النتيجة ما نحن فيه الآن من عدم القدرة على مواكبة المتغيرات المتلاحقة فى العالم . والرأى الراجح لدى خبراء التعليم أن التعليم " صناعة " .. نعم صناعة .. مثل أى صناعة .. لها منتجات يجب أن تتوافق مع إحتياجات المجتمع والمستهلك .. ولهذا يجب أن ترتكز على مخرجات محددة وتشتمل على ثلاثة عناوين أساسية : 1- المعرفة .. knowledge 2- المهارات .. skills 3- التوجهات .. attitudes وسيكون ذلك موضوع مقالنا القادم .. فإلى الملتقى بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين [email protected]