20 سبتمبر 2025

تسجيل

عرب ..ما بعد القومية !

27 مارس 2015

لم تخسر أية فكرة خلال الصراعات التى شهدها الإقليم طوال الستين عاما الماضية ،كما خسرت فكرة العروبة (القومية العربية) ،حتى وصلت الخسارة والاستنزاف الذى تعرضت له حد القبول بمشروعية التساؤل ،عن ما إذا كان هناك ما تبقى منها ،كنمط من أنماط البناء المجتمعي وعلى صعيد علاقات الدول مع بعضها البعض (التنظيم العربيى الجامع -الجامعه العربية) فضلا عن الأبعاد النظرية للفكر ،كما أن الخسارة لم تعد ظاهرة في بعدها السلبي (التآكل ) بل فيما صار يبنى على أسس مختلفة عنها – ومضادا لها-من تحالفات جرت في الإقليم ،ويضاف إليها ما هو ملموس ومؤلم من حالة غياب حقيقية لقوة الموقف العربي ومن ضياع القيمة الفعلية والاعتبارية للجامعه العربية ،في أعين المواطنين العرب والقوى المجتمعية والسياسية ..الخ.وإذ يحتار المراقب فى بحثه لتحديد متى كانت نقطة الانكسار .هل كانت هزيمة عام 67 ،أم يوم نهاية النظام الناصرى ،فهناك من يرى أن الانكسار كان واردا من داخل الفكرة والمنظومة ولم يأت مستجدا عليها.وإذ يحتار فى جمع وتحديد الخسائر التى منيت بها الفكرة وتياراتها والممارسات العملية لها ،فالمؤكد الآن أن الأمر قد تخطى التاريخ وبات يحفل بزخم جارٍ مضاد للفكرة -وما تفرضه من علاقات وتحركات -بما يتطلب إعادة توصيف ما يجرى حاليا فى الجهة المقابلة او فى ظل سيادة مناخ مضادة لفكرة العروبة ،إلى درجة يمكن القول معها :ان المنطقة تعيش فعليا مرحلة ما بعد القومية !.لقد غادرت كثير من الممارسات الشعبية فكرة العروبة-بل حتى الوطنية وحالة الولاء للدولة- حين التحقت مساحات واسعة من الجمهور العام بالفكرة الطائفية وصارت تخوض حربا تجرى بكل الوسائل لتثبيت تلك الفكرة كولاء وانتماء حتى بلغ الأمر ببعضها حد تخطى الانتماء العربي (العروبي –القومي) والعمل ضمن ارتباط وانتماء –ولنقل احتماء-بقوميات أخرى أهمها الفارسية. كما نشطت الأقليات غير العربية (فى الدول العربية) وعادت لتطرح فكرة قومية أو عرقية خاصة بها ،فى مواجهة القومية بل والوطنية وإلى درجة فك الارتباط بالدولة (القُطْرية) سياسيا وقانونيا .وقد انتهت الممارسات على الصعيد الرسمى بكل نظم الحكم التي رفعت شعارات القومية العربية (في الخمسينات والستينات) من ناصرية وبعثية إلى الانهيار،والأخطر إن لم تجر نهايتها أو سقوطها، لا لمصلحة بقاء وانتعاش الدولة القُطْرية ولا لمصلحة الفكرة والكيان العروبي الأوسع ،بل جاء التغيير على حساب الدولة القطرية والفكرة العروبية معا،بما جعل الفكرة والرؤية القومية متراجعة بخطوات أبعد مما ساد فى أية مرحلة سابقة.وعند مراجعة تطور حركة الصراع ،يتضح أن تراجع الفكرة والحالة القومية العربية لم يجر كحالة عامة تشمل كل حالات الانتماء القومي في الإقليم ،بل إنها وصلت إلى حالة الانحدار تحت ضربات قومية أخرى هى القومية الفارسية ،التى ظهرت كقومية متصارعة أو معادية للقومية العربية ،ووصلت الآن حد احتلال ثلاث دول عربية ، بما يدفع للقول ان التراجع جرى للفكرة العروبية لا للفكرة القومية على إطلاقها فى الإقليم،وإننا نحن من نعيش مرحلة ما بعد القومية (العربية) فيما يعيش غيرنا مرحلة ازدهار وانتصار قوتهم ورؤيتهم القومية!كما تظهر التطورات الجارية أن لا أفقا مستقبليا لنهوض الفكرة القومية فى الأمد القريب أو المتوسط ، إذ بعض من رموزها وتياراتها بات في موقع المساندة للنظم الديكتاتورية المنبعثة حاليا بممارسات دموية كانت السبب الحقيقي والفاعل في ما أصاب الفكرة القومية أو العروبية وتجربتها إلى ما انتهت إليه –وكان البعض انتهى إلى دعم القُطْرية على حساب القومية-وهو ما يعني تكرار ذات المواقف والاستمرار في نفس الممارسات ،ونتيجته المؤكدة هي ضياع كل أمل في استعادة الحالة القومية .صرنا نعيش حالة ومرحلة ما بعد القومية ،لكن الخطر على الأمة صار أبعد ،حيث البديل الإسلامى الذي ظهر متصارعا مع الفكرة القومية عند بداية القرن الماضي ،تحت عنوان الجامعة الإسلامية في مواجهة الجامعة العربية ،والذى كان مفترضا أن يكون البديل والراية الآن ،صار ملاحَقا ويواجه حربا ضارية ،إذ أصبح متهما بالإرهاب من جهة –وهو اتهام توسع تعميمه حتى بات يشمل جميع فصائله –ومتهما بالطائفية ،والمساهمة فى التفكيك هو الآخر !فهل من فكرة أو رؤية مهندَسة وراثيا تستطيع تلافي كل أعمال التشويه لتصبح رؤية جامعة وراية واسعة تحشد الطاقات مجددا ؟.وكيف لها أن تستعيد ما فقدناه في العراق وسوريا واليمن -الجارية فيه معركة ضارية- لصالح الفكرة والرؤية القومية الفارسية؟!