14 سبتمبر 2025
تسجيلتصدر الوضع الاقتصادي العربي الراهن أولويات قمة الدوحة الـ "24"، فقد تعثرت خطط التجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة والاتحاد العربي في السنوات العشر الماضية نتيجة الظروف العالمية المتلاحقة من انهيارات مالية وأزمات سياسية. ووصفت القمة مجمل القضايا التجارية العالقة من سوق عربية مشتركة وتجارة حرة ومشروعات صغيرة ومتوسطة، بأنها دخلت حيز التنفيذ وهي في مجملها مشروعات تبادلية لا ترضي طموحات الدول، ولا ترقى لمستوى الجهود التي بذلت من أجلها. وتعتبر التجارة البينية بين الدول العربية من أبرز القضايا التي عرضت على طاولة البحث بين الاقتصاديين، إلى جانب معوقات الاستثمارات، وضعف آليات تمويل التنمية الزراعية، والأمن الغذائي، وضعف مساهمة الصناديق والمؤسسات الإنمائية في التنمية الزراعية، وعدم قيام اتحاد جمركي عربي حتى الآن، والبطالة، وتضاؤل فرص العمل أمام الشباب، وعدم توافق مخرجات التعليم الجامعي مع سوق العمل، وعدم قدرة صناديق التمويل على تمويل المشروعات. فقد أخذ الجانب الاقتصادي حيزاً كبيراً من مناقشات القمة العربية، باعتباره ركيزة أساسية لتحفيز القطاعات وبيئة الأعمال، وأنه دون استقرار اقتصادي لا يمكن للقطاعات الأخرى أن تجد طريقها نحو النمو. شخص المعنيون واقع الاقتصاد العربي بأنه يتطلب دفعة قوية نحو التنمية، ورغبة نحو الحفاظ على التكتل العربي، والتوجه إلى التخصص في المشروعات لتجنب التكرار والازدواجية، وإيجاد طرق مختصرة لتفعيل آليات تمويل المشروعات العربية، وإعادة دراسة احتياجات المنطقة بعد التقلبات السياسية التي عصفت بها. وأوجدت الظروف السياسية الراهنة عقبات أخرى منها تأثيرات الاضطرابات على ركائز البنية التحتية من مطارات وسكك حديدية وسياحة ومرافق خدمية ومنشآت اقتصادية، بما يتطلب معه إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، بدلاً من مواصلة التنمية وتنفيذ الخطط التي انتهجتها الدول قبل سنوات، وكأن الوضع المتردي يعيدنا إلى الوراء، إلى جانب المشكلات الخارجية من الديون الأوروبية والأزمات المالية للبنوك العالمية أثرت على مستقبل التكامل العربي، وأضعفت فرص جذب الاستثمارات الأجنبية للمنطقة العربية، حيث لم يعد بإمكان الدول المنهارة أن تدخل في استثمارات في ظل بحثها عن قروض تنتشلها من الإفلاس. ولعل أبرز القضايا العالقة كما ذكرت التجارة البينية حيث تشير معدلات التجارة إلى أن حجم التجارة بين الدول العربية يمثل ما بين "10%ـ 11%" وهي نسبة ضعيفة، مقارنة بـ "70%" بدول آسيا، و"50%" بدول أوروبا، و"40%" في الأمريكتين. وفي تقرير للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار يشير إلى أن الاستثمارات البينية تقدر مابين "800ـ1000" مليار دولار، وأن مقدار ما يستثمره العرب في الخارج "2.4" تريليون دولار حسب ما ذكره موقع الشرق الاقتصادي، وهي أرقام مخيبة للآمال كما يصفها الخبراء. هذا وتلعب المعوقات دوراً مؤثراً في ضعف التجارة البينية القائمة مثل غياب الشفافية، والحواجز الجمركية، والخلافات الاقتصادية، والضرائب والقيود على التجارة، وأن إزالة هذه المعوقات سيعمل على إحداث تدفق انسيابي للاستثمارات في مختلف القطاعات، وجذب رؤوس الأموال لتوفير السيولة والمرونة في المشروعات القائمة، وبناء تشريعات تحمي رأس المال لزيادة العوائد. إزاء حجم الإنفاق الضخم من قبل الحكومات العربية على مشروعات البنية التحتية والخدمية التي تتطلب اتفاقات وشراكات محلية وخارجية مع دول المنطقة إلا أن العوائق لا تزال قائمة، فالتبادل البيني لا يقتصر على القطاع التجاري فحسب، إنما ينسحب على كل القطاعات. من العوائق أيضاً عدم وجود شركات تسويق وتصدير عربية وخليجية قادرة على منافسة السوق، وعدم تطبيق المواصفات الدولية في السلع والمنتجات بما لا يوجد الطلب عليها، والكثير منها لا يحقق الربحية ولا يقوى على الصمود. وتطرقت القمة لمشكلات المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزال قائمة في الدول العربية رغم الجهود الحكومية للنهوض بها، ففي ظل التذبذب السياسي القائم في الشرق الأوسط أسهم وبشكل كبير جداً في إضعافها وتوقفها، علاوة على غياب صناعات في البيئة والمعرفة والتقنية والبحث والسياحة والصناعات التقليدية تعتبر في الفكر الاقتصادي عصب المستقبل والتي لم تبرز على الساحة الاقتصادية ولم تأخذ مكانتها الحقيقية. فقد تنبهت الدول في السنوات الأخيرة إلى دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بناء قدرات الطاقات البشرية والمهارات والعمل الحر وبيئة الأعمال، وأنها رديف للمصادر القائمة حالياً. وطرحت القمة بجرأة دور القطاع الصناعي في تحريك القطاع الخاص لإشراكه في تأسيس شراكات صناعية، وألا يظل مقتصراً على الدعم الحكومي دون مشاركة فاعلة من القطاعات الأخرى، فالمقولة الاقتصادية اليوم تنادي بإعادة النظر في السياسات الصناعية القائمة، وأن يكون هناك الكثير من السوق والقليل من التدخل الحكومي بهدف فتح أسواق جديدة. ويعتبر نجاح دول آسيا وأمريكا اللاتينية في قطاع المشروعات الصغيرة دليلاً عملياً على أهمية إشراك الطاقات البشرية والقطاع الخاص في بناء مشروعات جديدة، واستشهد هنا بتجارب الصين وكوريا وتايوان والهند وماليزيا وسنغافورة في بناء اقتصاد قادر على التنافسية ويقوم على مشروعات صغيرة ومتوسطة. توجز النخبة الاقتصادية بالقمة رؤيتها من خلال نقاط محددة وهي وضع خطط فاعلة لإدماج الكوادر العربية المتخصصة في عمليات التخطيط الاقتصادية، وتبني برامج تنفيذية للطبقات الفقيرة والمتوسطة لتسهم في تأسيس مشروعات، والتركيز على تعزيز الاستثمار العربي، وحفز الشباب على الابتكار وبناء فرص عمل، وتقليل القيود على العمالة المدربة، وإيجاد صيغ للتنافس للتقليل من العشوائية، وزيادة السياحة المتبادلة بين الدول العربية لاستقطاب رؤوس الأموال، وتطوير العلاقات العربية العربية، وزيادة انفتاحها على أسواقها لإتاحة الشراكات الدولية أمامها. ويسعى خبراء التنمية إلى تسريع الجهود لإزالة العوائق الاقتصادية، وإحياء السوق العربية المشتركة ووضع خطة زمنية لإحيائها، وإتاحة فرص استثمارية في قطاعات البنية التحتية والإنشاءات والسياحة والغذاء، لتوفير فرص عمل للشباب، وإعادة تشخيص الوضع الراهن للاقتصاد العربي بعد تداعيات الربيع العربي وتراجع معدلات النمو وعجز الموازنات الحكومية عن الإيفاء بمتطلبات الإنفاق على المشروعات الحكومية وتوقف الأنشطة الاستثمارية، وهي تأثيرات سلبية أتت على مجمل إنتاج الشرق الأوسط. وهذا الأمر ليس باليسير إنما يتطلب منا رسم رؤى اقتصادية أكثر تكيفاً مع نتائج الربيع العربي التي أثرت على القطاع الاقتصادي بالدرجة الأولى، وأن السنوات العشر القادمة تحتاج إلى صياغة آليات تكاملية جدية بين الدول العربية.