11 سبتمبر 2025

تسجيل

بعد كارثة اليابان: الطاقة النووية السلمية.. هل من إعادة نظر؟ "1 - 2"

27 مارس 2011

"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".. قواعد متعارف عليها إذا كانت لدينا دينيا فهي تسري على العالم بأسره أيضا إنسانيا. فإذا كان فقد ما يزيد على 24 ألف نفس وروح إنسانية في كارثة طبيعية يعد أمرا مؤلما فإنه لا يلبث الا ان يكون من المسلمات الخاضعة للقبول والتسليم إيمانا بالقضاء والقدر، سواء لدى معتنقي الديانات السماوية او غيرها الذين يؤمنون بالقضايا الكونية الخارجة عن الإرادة البشرية ممن سمى الارض منهم بـ "بأمنا الطبيعة". وإذا كانت الطاقة النووية من خلال الانشطار الذري مولد طاقة يعد اقل تكلفة وأكثر إنتاجا فإن وقوع الطاقة كقنبلة موقوتة تهدد البشرية في مواقع تكتونية متحركة أمر نظنه لم يعد شأنا داخليا لدى دولة بذاتها بل أمرا يجب ان يحسم دوليا من خلال وكالة الطاقة الذرية، خصوصا وفي جعل جغرافيا الدول أمرا حاسما في التملك بل ولابد من أخذ رأي الأفراد المشاركين في برلمان دولهم فيه، خصوصا أنه يهدد بقاءهم وصحتهم وإن طال خدمات بلادهم وتشغيل مختلف أنواع الطاقة فيها. هذا من جهة البؤر التكتونية التي يقع عليها أكثر من مفاعل نووي في مناطق متعددة في العالم ومنها مفاعل ديمونة في قلب الشرق الأوسط، فضلا عن احتمالية إنشاء عدد من الدول لمفاعلات في موقع جغرافي صغر او كبر وما يترتب عليه من مخاطر المواقع ومساحة الارض وعدد السكان ومحيط البحر حوله بمعنى الضرر المحدق بالثروة البشرية والنباتية والحيوانية والسمكية وهلم جرا في سلسلة دائرية يعتمد احدها على الآخر. هذا ولا تعد المخاطر الجغرافية وحدها أمورا مقلقة في شأن تملك الطاقة النووية السلمية فحسب بل حتى الأحداث والتوترات السياسية واحتمالية اختراق بعض المتملكين لمعاهدات الاستخدام يعد خطرا كامنا محدقا، أو احتمالية إدخال البعض للمفاعلات النووية السلمية في حروب غير عادلة وغير سلمية. ولعل ما يدعو الى القلق والألم في درس اليابان 2011 هو أمران: أولا: كم الضحايا البشرية التي تعاني وستعاني على مدى سنوات عجاف من اثر الطاقة النووية المتسربة من انفجار مفاعل فوكوشيما السلمي بعيد الزلزال وتسونامي، الذي تعدت مخاطره سواحل اليابان والدول المحاذية في الجوار الشرقي في المحيط الهادي من آسيا الى السواحل الغربية من طرفه المحاذي في غرب أمريكا الشمالية، خاصة أن وكالة الأمان النووي اليابانية قد وصفت مستوى خطورة الحادث بالمستوى الخامس، طبقاً للمقياس الدولي الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحتوي الإطلاقات المشعة الناتجة من أي حادث نووي على عناصر مشعة بتركيزات عالية وتنتشر ما تسمى بالسحابة الذرية المحملة بتلك العناصر وتنقلها التغيرات والعوامل الجوية المصاحبة والرياح والأمطار إلى مناطق أخرى ودول أخرى بعيدة عن مصدر الحادث، وهنا مكمن الخطورة، حيث يتساقط الغبار الذري على المناطق جميعها سكنية وصناعية وزراعية وصحراوية وبحار وأنهار ومحيطات دون تفريق. وتمر خلال دورة مغلقة عناصرها "الإنسان والتربة والحيوان والطير والنباتات والخضراوات والفواكه والأسماك والمياه السطحية والجوفية والبحار"، وجميع مسارات تلك النويدات المشعة ليست بالضرورة واحدة بل تسلك أنماطاً مختلفة وبدرجات متفاوتة. وهنا بدأ القلق على البشر من مستوى الإشعاع السام، لذلك بدأت تحركات احترازية فمنعت طوكيو استخدام المياه للرضع بعد ان رصدت في شبكة مياهها نسبة من اليود المشع تبلغ ضعفي النسبة المقبولة، كما منعت تسويق منتجات غذائية أخرى ملوثة بالإشعاعات مما عزز المخاوف فيها وفي مناطق أخرى في العالم. من تفاقم المخاوف من تلوث السلسلة الغذائية.. حيث قررت عدة دول تعزيز عمليات المراقبة او وقف استيراد منتجات المواد الغذائية اليابانية منها الولايات المتحدة. وحذرت الوكالة الأمريكية للغذاء والأدوية من استيراد الحليب ومشتقاته والخضار الطازج والمستورد من بعض المناطق، كما طلبت فرنسا من المفوضية الاوروبية فرض "مراقبة منهجية" للمواد المستوردة من اليابان على حدود الاتحاد الأوروبي. إن التسرب الإشعاعي النووي واحتمالية انتقاله وفقا للعوامل الجوية يدعو الى التفكير في كل المنتجات وليست فقط الغذائية او السمكية او منتجات الحليب، حيث تتطاير الذرات للترسب على مختلف ما ينتقل استيرادا وتصديرا من اليابان، وهذا ما يدعو للتساؤل من خلال الصناعات الثقيلة كالسيارات والتقنيات وقطع الغيار. يذكر ان شركات عدة من بينها تويوتا علقت إنتاجها جزئيا في حين أعدت شركة كهرباء طوكيو (تبكو) التي تؤمن التغذية لمناطق شرق اليابان خطة مختلفة. نعلم ان تعليق الصناعة جزئيا في اليابان يتعلق بـ خطة لتقنين التغذية بالتيار الكهريائي بسبب توقف 11 مفاعلا نوويا عن العمل تلك الطاقة الضخمة الرخيصة نسبيا، التي تعتمد عليها اليابان الى جانب البديلين،النفط المستورد من الخليج والفحم المستورد، حيث أصبحت ثالث أهم منتج للكهرباء عبر المفاعلات النووية، وهي تحل بعد الولايات المتحدة وفرنسا من حيث مجموع كمية الإنتاج. فالطاقة النووية مهمة بالنسبة إلى الاستراتيجية الأمنية الصناعية والوطنية في اليابان. ولكن ألا يجدر بنا التوقف عن استيراد مختلف المواد الخفيفة والثقيلة التي تحتاج الى سنوات عجاف لكي تطهر من رواسب التسرب واضراره التي لسنا بمعزل عنها وفقا لشهادة العلماء. يتبع الأسبوع المقبل.. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com