10 سبتمبر 2025

تسجيل

هوامير التجارة والسمكة الطرية

27 فبراير 2023

يواجه الكثير من الشباب انتقادات واسعة، حيث يتم تحميلهم مسؤولية فشل مشاريعهم التجارية، على أنهم قصّروا في دراسة متطلبات السوق واحتياجاته، وأنهم يضعون أنفسهم تحت وطأة القروض والديون، وأنهم غير قادرين على إدارة مشاريعهم بالشكل الصحيح. التنظير جميل، والأجمل التعمّق في الحقيقة. إن صحّ تقصير الشباب وتقاعسهم، فهو بسبب الطمع بربح سريع، أو الإهمال في متابعة التفاصيل اليومية، أو في ثقة بغير محلّها، أو تنازل عن الجودة على حساب استعادة النفقات، وغيرها من الأسباب والخصائص التي تتغير بحسب طبيعة المشروع وظروفه. من القهوة المتخصصة، مرورًا بالبرجر، وصولًا إلى الشاورما، وغيرها من المشاريع التي يراها البعض «هبّات» تجارية أو موضة، لا تزال المشاريع التجارية تُنازع من أجل الاستمرارية. وهناك من يستمتع بالفرجة المجانية على ضفاف بحر يُراقب فيه الهامور السمكة الطرية. كفى إجحافًا بحقّ الشباب ولنستعرض معًا مواضع الإجحاف في هذه السردية التي تبدأ بوقوع روّاد الأعمال - دون خيار منهم - في دائرة مغلقة يتحكّم بها الهوامير بطريقة غير مباشرة، ونبدأها في الجودة المتدنية والأسعار الخيالية لخدمات دراسة السوق المحلية. يليها كلفة إيجار المحلات والمخازن المرتفعة بشكل تصاعدي مستمر ودون أي سبب اقتصادي مُبرر، أضف إلى ذلك كلفة السيارات المبردة الناقلة للبضائع والمنتجات، ومن ثم كلفة السيارات الناقلة للموظفين، يليها كلفة إيجارات سكن الموظفين العاملين في المشروع، الذين أغلبهم لا يهمّهم رضا الزبون، وليس لهم أي صلاحية استنسابية بإجراء تعديلات بسيطة على «السندويش» بخلاف ما هو موجود في قائمة الطعام، فهؤلاء يعتبرون قائمة الطعام الموجودة مُقدّسة، ويحلو لهم تكرار كلمة «No sir, No Madame»، وهي كلمة تنفر الزبون والعميل والسائح، وهم مضطرون لذلك، لأن كفاءتهم على قدر راتبهم، ونادراً ما يهمّهم مشاركة ملاحظات الزبون أو العميل مع صاحب العمل، الذي يسألهم التنفيذ فقط. أضف إلى ذلك تكاليف الحصول على المستلزمات اللازمة سواء كانت معدّات أو أدوات وأكياسا ورقية تحمل العلامة التجارية، والتي تبلغ تكلفتها محليًا أسعارًا خيالية، فيلجأ صاحب العمل لاستيرادها من الخارج بكميات هائلة قد لا يحتاجها في الوقت الحالي، بسبب التزامه بكلفة الاستيراد والتصنيع بالحدّ الأدنى. ماذا عن تكاليف الدعاية والإعلان السنوية والأسبوعية والشهرية؟ كيف يُسهم المؤثرون في دعم المشاريع الشبابية؟ في حساباتهم تُودع مبالغ خيالية مقابل تسويق «شاورما» أو كوب من القهوة. وهذا أصبح جزءًا من التركيبة الاجتماعية. ما هي المنصات المحلية المُتاحة للإعلانات الدورية؟ وما هي كلفة تصوير الفيديوهات التسويقية البسيطة التي يحتاجها كلّ مشروع؟ من ينتقد الشباب في مشاريعهم التجارية ليس لديه دراية كافية بما يحدث حقيقة من تضييق الخناق عليهم وإبقائهم في دائرة مغلقة واضحة المعالم. صاحب المحلات والمخازن والعقارات والسيارات هو نفسه وكيل استيراد المستلزمات والمعدات الأساسية، وهو نفسه صاحب شركات الإعلانات والدعاية وقس على ذلك من أمثلة. هي دائرة تجارية يتحكّم بها هوامير قسّموا الغنائم وفق إمبراطوريات تجارية متخصصة تدّعي كلّ منها تحمّل المسؤولية المجتمعية والتنموية. ومن يقع من الشباب ضحية، يُنقذ بتبرعات الهوامير الرمضانية. إنّ أعظم شركات العالم تأسست من مرآب المنزل ووصلت إلى العالمية، والشاب الذي يقتطع من راتبه لتأسيس شركته، نُطالبه بتوفير كلّ ما تقدّم، ومن ثم نُدخله اللعبة ولكن بشروط الإمبراطوريات التجارية.