12 سبتمبر 2025

تسجيل

الحشيش السياسي!

16 أكتوبر 2023

نظرة سريعة على المشهد العربي بوحداته السياسية والإعلامية والثقافية والاجتماعية، تُعطينا مؤشرا واضحا على الشرذمة العربية، وانقراض آخر جينات وراثية لما عُرف يوماً بالقومية العربية أو بالجهود العربية المُشتركة. كُلّ مُكوّن من مُكوّنات المنظومة العربية يعزف على وتر، واللحن تائه، يُسبب الطرش. وسائل الإعلام العربية تعمل بلا كلل، وألف تحية للعاملين بها، ولكن أغلبها ما زالت تتغافل عن أولوية الالتزام بـ «الإعلام الحربي» على السبق الصحفي، إذ ترى، وتسمع، وتلحظ إلحاح المذيع في الأستوديوهات العربية وسؤاله المراسل في فلسطين وغزّة وجنوب لبنان ومناطق النزاع، عن موقع إطلاق الصواريخ المُقاوِمة، مع إلحاحه على معرفة أسماء الطرقات والشوارع والأنفاق والوسائل التي يستخدمها المدنيون للاختباء أو للهرب، وكأنّه موظف بارع في إرسال الإحداثيات إلى العدّو لضرب النقاط المخفيّة، وهذا ما حصل خلال حرب لبنان عام 2006، حيث ينضمّ المراسل الصحفي إلى المدنيين، ويبدأ بتلقين المعلومات العسكرية على الهواء مباشرة، وما هي إلا ساعات وتُقصف الشرايين الحيوية. في المواقف الرسمية العربية، فلغة السلام رائعة، والحمامات البيضاء تُرفرف عبر الخطابات السياسية الداعية إلى التخاذل والاستسلام ، وكأن «الحشيش السياسي» وُزّع بالتساوي على المتحدثين، الذين يُذكرونا بمسابقات ملكات الجمال، وحلم المتسابقات بالسلام العالمي العادل والشامل، فيما البوارج الأمريكية والطائرات وتصريحات وزراء خارجية دول أوروبية وأميركية انحازت بشكل مباشر وواضح إلى إسرائيل. ولكن على ما يبدو فإنّ كمية السلام في قلوبنا كعرب تفيض حباً وعطاءً على شعوبنا، والفائض لدينا غمرنا به «أعداءنا». منظمات المجتمع المدني، بعضها مشغول بإدانة ذلك النظام وتلك الحكومة، ومحاولة اقتناص الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني وتشبيهها بممارسة الأنظمة تصفية لحسابات داخلية. وبالطبع المحصلة ستكون بإطلاق حملات الإغاثة وجمع التبرعات وإعادة الإعمار ومساعدة المنكوب وإرسال البطانيات والغذاء والدواء لمن تبقى من هذا الشعب. عن الشعوب وهي المُكوّن الرئيسي في المنظومة العربية، يبدو أننا اكتفينا بالتعبير عن غضبنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنّا من شارك بمظاهرات مُنّظمة مع رفع علم فلسطين ، ونشر الصور الإعلامية، وإرسال رسالة إلى سفراء الغرب، أن شعوبنا منزعجة، وهو أضعف الإيمان. ومن الناس من رفع شعار «فلسطين ليست قضيتي» لأنه لا يُريد أن يدفع بعد اليوم ثمن القضية، فيما ينعمُ غيره بالعملات الذهبية. المثقفون والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي والفنانون ولاعبو كرة القدم، أغلبيتهم، يتخذون موقف حكوماتهم حيث يسود الهدوء بينهم، مع توقعات بإطلاق ألبومات وطنية، ودعوات إلى مقاطعة الحليب الإسرائيلي والشنطة الصهيونية .إنّ الموقف العربي المُشترك، والرؤية العربية المُشتركة وضعف الاستجابة العربية المتكاملة لما يجري في فلسطين من هجرة قسرية، وإبادة جماعية، وما تُخطط له إسرائيل وحلفاؤها من تصفية للقضية الفلسطينية، واضح وصريح. وحدهم الفدائيون، وأطفال فلسطين، سيقلبون المعادلة، تماماً كما يحدث في كلّ مرة، لكن يبدو أن الأغبياء وحدهم من يرفضون التعلّم من التاريخ ومن مسار هذه القضية.