24 سبتمبر 2025

تسجيل

جريمة التسول.. هل من قصور تشريعي؟

27 فبراير 2023

يعتبر اعتياد التسول من السلوكيات المرفوضة في ديننا الإسلامي، والمذمومة في نظر المجتمع، والمجرمة كذلك بحكم القانون. فالتسول يضر بالشخص الذي يمارسه ويصنع منه عنصرا اتكاليا يقتات من سؤال الناس والذل إليهم، كما أنه يسيء لصورة المجتمع ويعطي انطباعا بأن المحيط الذي ينتشر فيه التسول لا يستطيع توفير العيش الكريم لأفراده، فيؤثر ذلك بالتبعية على قطاع السياحة والخدمات وغيرها. كما أن التسول يساعد على انتشار الجرائم الأخرى، من سرقة واعتراض طريق المارة، وابتزاز الغير في الشارع العام، وقد يتطور الأمر إلى استغلال الأطراف أو ذوي الهمم في ممارسة هذه العادة المحظورة. لأجل ذلك ولغيرها من التبعات ذات الوقع السلبي، فقد فرض المشرع القطري نظاما تجريميا لمن يرتكب فعل التسول، بحيث اعتبرها جريمة يعاقب عليها بموجب القانون رقم 11 لسنة 2004 بإصدار قانون العقوبات، وهكذا نصت المادة 248 منه على ما يلي: «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة، كل من يتسول في الطرقات، أو الأماكن العامة، أو يقود حدثاً للتسول، أو يشجعه على ذلك. ويجوز بدلاً من الحكم بالعقوبة المتقدمة، الحكم بإيداع المتسول إحدى المؤسسات الإصلاحية التي تخصص لذلك. وفي جميع الأحوال، يحكم فضلاً عن العقوبة المقررة، بمصادرة الأموال المضبوطة المتحصلة من الجريمة». بمطالعة هذه المادة نجد القانون القطري متشددا في معاملة من يرتكب التسول بأية طريقة من الطرق. تصل عقوبة جريمة التسول إلى سنة كأقصى حد، وهو ما يعطيها في نظر القانون تكييف الجنحة، لكن المشرع لم يجرم فقط ارتكاب فعل التسول، بل وسع من نطاق التجريم ليشمل التشجيع على التسول كذلك، فمن يحرض أو يشجع أو يساعد أو يتدخل بأي وسيلة في ارتكاب التسول يعتبر كأنه أتى ذلك الفعل ويعاقب بالعقوبة المقررة للفاعل كذلك. كما أن المادة المذكورة اعتبرت قيادة حدث إلى ارتكاب جريمة التسول بمثابة اتيان الفعل بنفسه، لكن كان من الأحرى على المشرع أن يعتبر قيادة الحدث إلى التسول بمثابة ظرف مشدد للجريمة، وكان من الأجدر أن تكون عقوبة من يرتكب ذلك أشد من عقوبة من يرتكب التسول بنفسه، لأن هذا الفعل يجمع بين أكثر من جريمة، فهو تحريض على التسول، وإجرام في حق الحدث الذي لم يبلغ سن الرشد القانونية، والذي لا يستطيع تحمل مسؤولية تصرفاته. وحدد قانون العقوبات كذلك الطرق التي من خلالها يتم تكييف الفعل بأنه تسول، إذ اعتبر أن التسول في الطريق العام والأماكن العامة هي الوسائل التي من خلالها يتم إسناد تهمة التسول للشخص، لكن التسول في العصر الراهن أصبح يتخذ أشكالا وأساليب مختلفة، إذ أصبحنا نواجه ارتكاب التسول من طرف الغرباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة، وهو الأمر الذي يجب أن يتنبه إليه المشرع ويدخل تعديلا تشريعيا بهذا الصدد، للقضاء على هذه الظاهرة الشاذة الدخيلة على مجتمعنا.