18 سبتمبر 2025

تسجيل

الهيدروجين الأخضر ودول الخليج

27 فبراير 2023

الهيدروجين هو أخف العناصر وأكثرها وفرة في الكون، كما يتمتع بإمكانات كبيرة باعتباره طاقة المستقبل، حيث إن المنتج الثانوي الناتج عن استخدام الهيدروجين هو الماء، بدلاً من غاز ثاني أكسيد الكربون الملوث للهواء والناتج عن استخدام الوقود الأحفوري. وقد بدأت دول الخليج في الاستثمار بكثافة في إنتاج الهيدروجين والتكنولوجيا وثيقة الصلة به، مع التركيز الاستراتيجي على تنويع اقتصاداتها والتخطيط لمستقبلها في مرحلة ما بعد النفط. وللهيدروجين استخدامات متعددة، حيث يُستخدم كوسيلة لتخزين الطاقة الناتجة من مصادر الطاقة المتجددة، كما يُستخدم في قطاع النقل لتشغيل المركبات التي تعمل بخلايا الوقود، بالإضافة إلى بعض الاستخدامات الخاصة في مركبات نقل البضائع الثقيلة. ومن الوارد استخدامه في مجال الطيران في نهاية المطاف ليحل محل الوقود الأحفوري، كما يمكن أن يُستخدم كبديل يتميز بانخفاض انبعاثاته الكربونية الملوثة في القطاعات «التي يصعب تخفيف التلوث فيها» مثل صناعة الأسمنت والصلب، حيث لا تستطيع تكنولوجيا توليد مصادر الطاقة المتجددة إنتاج درجات الحرارة المرتفعة المطلوبة. وترجع أسباب قلة استخدام الهيدروجين في إنتاج الطاقة من قبل إلى أن بعض التكنولوجيا الضرورية لم تكن متقدمة بما فيه الكفاية أو لم تكن تتمتع بجدواها الاقتصادية على نطاق واسع. ورغم استخدام الهيدروجين كوقود أو مُخَزِّن نظيف للطاقة، إلا أن إنتاجه لم يكن كذلك. وكان للهيدروجين استخدامات صناعية لسنوات عديدة في مجال صناعة الأمونيا كسماد للمحاصيل الزراعية على سبيل المثال، بالإضافة إلى استخدامه لتقليل محتوى الكبريت في الزيت. ولكنه كان يُنتج من الوقود الأحفوري، في عملية تعرف باسم «الهيدروجين الرمادي»، وهي عملية ملوثة للبيئة. وتنطوي عملية إنتاج الهيدروجين «الأخضر» على استخدام الطاقة المتجددة لإنتاج العنصر من خلال التحليل الكهربائي، وقد أدت التطورات في علوم وهندسة المواد إلى تيسير إمكانية تنفيذ هذه العملية وتعزيز جدواها من الناحية الاقتصادية. وتشير بعض التقديرات إلى أن استخدام الهيدروجين يمكن أن يصل إلى 24٪ من إجمالي استخدامات الطاقة بحلول عام 2050، وأن استعمال الهيدروجين الأخضر يمكن أن ينمو بنسبة 55٪ سنويًا اعتبارًا من عام 2028. ويوجد حاليًا 46 مشروعًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ومع ذلك، فإن التحول الشامل من الهيدروجين المعتمد على الوقود الأحفوري إلى الهيدروجين الأخضر يُعدُ مهمة ضخمة، حيث لا يوجد سوق عالمي للهيدروجين الأخضر بعد، كما أن عملية نقله مكلفة. ويُعرف البديل النظيف نسبيًا باسم الهيدروجين «الأزرق»، وهو يستخدم الوقود الأحفوري، ولكنه يحتجز الكربون لضمان تحقيق انبعاثات صفرية أو منخفضة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد كانت لدى دول الخليج طموحات كبيرة بشأن ضمان ريادتها للأطراف العالمية في سوق الهيدروجين في المستقبل، حيث منحت سلطنة عُمان الأولوية للهيدروجين الأخضر، ودخلت قطر في شراكة مع الدول الأوروبية لتصدير غازها الطبيعي المسال لإنتاج الهيدروجين الأزرق، وتستثمر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر والغاز الطبيعي المسال. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP26) الذي عُقد في عام 2021 عن أنها تعمل على وضع «خريطة طريق الهيدروجين»، بهدف ترسيخ مكانتها كدولة رائدة في تطوير الوقود. وفي الوقت نفسه، أعلنت المملكة العربية السعودية عن طموحها لأن تصبح المزود الرائد عالميًا للهيدروجين. وتتمتع دول الخليج بالعديد من المزايا الطبيعية في طموحاتها للمشاركة بشكلٍ فاعلٍ ومهمٍ في سوق الهيدروجين خلال المستقبل نظرًا لقوة احتياطياتها الرأسمالية، ومساحتها الجغرافية الواسعة، وامتلاكها لتكنولوجيا متجددة متنامية مثل محطة الخرسعة للطاقة الشمسية في قطر التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 800 ميجاوات. والمورد الوحيد الضروري الذي ينقص هذه المنطقة هو المياه العذبة، حيث أن محطات التحلية ضرورية لتوفير المياه اللازمة لإنتاج الهيدروجين. وتحتاج محطات التحلية إلى نفقات رأسمالية كبيرة، على الرغم من أن تكاليف التشغيل اللاحقة تمثل نسبة صغيرة من إجمالي التكاليف. ورغم أن دولة قطر ليس لديها استراتيجية واضحة للهيدروجين الأخضر، فقد استثمرت قطر مبلغ مليار دولار في مصنع «الأمونيا الزرقاء». وتتميز الأمونيا الزرقاء بأنها طريقة لإنتاج المادة الكيميائية باستخدام كمية منخفضة من الطاقة، عبر إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار. وتحل هذه الطريقة محل طريقة كثيفة الاستخدام للطاقة تجمع بين النيتروجين والهيدروجين تحت ضغط ودرجات حرارة عالية في عملية قديمة تُستخدم منذ أكثر من 100 عام.. ولا توجد استراتيجية واحدة تضمن التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة، لكن من الواضح بشكل متزايد أن الهيدروجين يؤدي دورًا مهمًا في عملية التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، وهي تكنولوجيا تعزز دول الخليج من مكانتها في استخدامها وتطويرها باعتبارها من القادة الاستراتيجيين في هذا المجال. وقد أثبت المستثمرون ذكاءهم عندما أدركوا أن إنتاج الهيدروجين يُعدُ من وسائل التكنولوجيا الثورية المحتملة، بالإضافة إلى كونه أكثر صداقةً للبيئة، مع تنويعهم لمصادر الطاقة لتشمل مصادر نظيفة بخلاف النفط والغاز. وستكون هناك تكنولوجيا أخرى أنظف قد تحد من سوق الوقود الأحفوري. وهناك تصور قديم معروف باسم قانون رايت، يعود تاريخه إلى ما يقرب من قرن من الزمان، يرى أن تكاليف الوحدة تنخفض بشكل موثوق مع تزايد إنتاج تكنولوجيا جديدة. ويحدث هذا في التكنولوجيا المتجددة. فقد انخفض سعر الميجاوات في الساعة من الكهرباء المولدة من الخلايا الشمسية الكهروضوئية من 378 دولارًا إلى 68 دولارًا بين عامي 2010 و2019. وتوفر التكنولوجيا الثورية فرصًا وتفرض كذلك بعض المخاطر. فقد أخفقت شركات كبرى مثل عملاق التصوير الفوتوغرافي «كوداك» في التكيف بشكل فعال مع العصر الرقمي رغم ريادتها في مجال التكنولوجيا، إلا أنها لم تُعدِّل نموذج أعمالها مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية. ودول الخليج التي تستفيد حاليًا من العائدات المرتفعة التي تجنيها من النفط والغاز يجب عليها مراقبة أسواق الطاقة وأنظمة الدفع الكهربائي التي تشهد الكثير من التغييرات الجوهرية.