11 سبتمبر 2025

تسجيل

صورة الإسلام في الإعلام الفرنسي بين مطلب التقديس وحرية التدنيس (3)

27 فبراير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); بدأ الاهتمام بالقضايا الدينية خلال السنين الأخيرة داخل الأمم المتحدة خاصة داخل جهازين مهمين وهما الجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان، وحول أهمية مكانة الدين في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومكانته في أجهزة الأمم المتحدة المهتمة بالموضوع، يرى الخبير المغربي في القانون وحقوق الإنسان الدكتور علي كريمي، أن هناك ثلاثة اتجاهات أساسية هي: - اتجاه أول يرى أنه لا ينبغي أن يكون للدين أي دور معياري في القانون الدولي، وهذا التوجه يتبناه ويدافع عنه معظم الفقهاء الغربيين الذين يطرحون ضرورة أن يبقى القانون الدولي محايدا. - اتجاه ثان يعترف بالدور الفعلي والأساسي للعامل الديني في القانون الدولي، دون أن يطالب بأي دور مهم للدين في المجال العمومي، ويرى هذا الاتجاه أن الدين يلعب دورا بارزا ومهما في تطور القانون الدولي، وفي اتجاه الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. - اتجاه ثالث يرى أن الدين يجب أن يلعب دورا مركزيا في القانون الدولي ليس فقط كمصدر، بل كأداة معيارية، وينعت هذا الاتجاه بكونه توفيقيا وهو مسنود بعدد من الفقهاء الذين يعتبرون أن الدين جد مهم وأساسي في الحياة الدولية. ويلاحظ هيمنة الاتجاه الثالث على ممارسات أجهزة الأمم المتحدة التي تسعى إلى اتخاذ مواقف معتدلة حيث تم في السنوات الأخيرة اتخاذ مواقف مساندة نسبيا لتجريم تحقير وسب الأديان والرموز الدينية، كما يبدو أن الوثائق الدولية تميز بين قذف وسب الأديان وبين الدعوة والحث على الكراهية الدينية. إن إطلاق العنان لحرية الرأي والتعبير دون قيود، تلته نقاشات حادة وانتقادات عنيفة تهدف إلى منع احتقار وسب الأديان مما أدى إلى تشكل جماعات ضاغطة قوية تدفع نحو ضرورة وضع تشريعات وطنية، وأيضا تشريع دولي يمنع نقد الأديان أو الإساءة إليها، واحتقارها. هذه المبادرات تجد شرعيتها في سعيها الحثيث إلى الحد من الجرائم الناتجة عن الكراهية والحقد العنصري والديني على السواء، ليس الهدف الكامن من وراء ذلك هو الحد من ممارسة حقوق الإنسان، أو العمل على تقييدها، بقدر ما إن الهدف منه هو اتخاذ إجراءات للحد من الغلو في الاعتداء عليها من هذا الطرف أو ذاك، لقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن بعض الحكومات الغربية بدأت تصدر قوانين تقيد الخطابات المنتقدة للأديان ولأتباعها، وتعتني بقوانينها التي تحرم الدعوة إلى العنصرية والكراهية الدينية، لجأت إلى ذلك بفعل المطالب المتزايدة من طرف المجتمع المدني.وفي دراسة غير منشورة أنجزها الدكتور علي كريمي لفائدة منظمة الإيسيسكو بعنوان (المضامين الإعلامية الغربية عن الإسلام في ضوء القانون الدولي) تم التأكيد على أن التوفيق بين حقوق الإنسان وبين حرية الرأي والتعبير، وبالخصوص الحرية الدينية أمر صعب جدا، ولا يمكن تصوره، إن لم يتم وضع قانون يحمي هذه من تلك، وإلا فإن الحرية الدينية وحقوق الإنسان سيتم خرقها وانتهاكها بشكل فوضوي بفعل جبروت حرية الرأي والتعبير وتسلط وسائل الإعلام. لقد شهد مجلس حقوق الإنسان نقاشا حادا بين أعضائه حول مفهوم الإساءة للأديان وعلاقته بحرية التعبير في سنة 2008، وذلك عند مناقشة تقرير حول الموضوع هيأه المقرر الأممي الخاص حول أوجه التمييز العنصري، وفيه اقترح استبدال مفهوم "الإساءة إلى الأديان"بمفهوم" التحريض على الكراهية". وحصل انقسام وسط أعضاء المجلس بين من يرى ضرورة وضع قانون لحماية الأديان، ومن يرفض ذلك بمبرر أنه سوف يؤدي إلى الحد من حرية التعبير.إن النقاش في هذا الموضوع لم ينضج بعد، إذ إنه مازال في بداياته داخل أجهزة الأمم المتحدة، بخصوص ظاهرة تنامي الإساءة لبعض الأديان وعلى الخصوص الدين الإسلامي، وقد اتضح عند مناقشة استعراض تقرير المقرر الخاص المكلف بمناهضة جميع أوجه التمييز العنصري الذي أعده المقرر ذودو- ديانغ" وقدمه المقرر "غيتومويغاي"، هذا التقرير أنجز خصيصا بغية معالجة " مظاهر الإساءة للأديان، وبالخصوص الإساءة إلى الإسلام. لقد اتضح وجود تباين كبير في وجهات النظر بين مجموعتين، المجموعة الأولى مكونة من الدول العربية والإسلامية، وإلى جانبها الدول الإفريقية والآسيوية، وتعتبر أن هناك ضرورة ملحة لإصدار قرار يهدف إلى وضع قانون دولي يحمي الأديان من المس بها وتجريحها والإساءة إليها. والمجموعة الثانية مكونة من الدول الغربية والتي تعتبر أن ما هو مضمون في الاتفاقيات والإعلانات الدولية القائمة كاف لحماية الإساءة إلى الأديان، كما اعتبرت أن أي تشريع جديد لن يكون من أمره إلا المساس بحرية الرأي والتعبير. وبصفة عامة فإن الاتجاهين متفقان على ضرورة محاربة التحريض على الكراهية، لكن الأول يصر على ضرورة حماية الأديان، ولو أدى ذلك إلى الحد من حرية الرأي والتعبير، بينما أن التوجه الثاني يتمسك بحرية التعبير ولو أدى ذلك إلى الانتقاد والإساءة للأديان، وقد انعكس النقاش بين المجموعتين في القرار الصادر عن الجمعية العامة في سنة 2011 حول مناهضة تشويه صورة الأديان. لقد صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 11 أبريل 2011 على هذا القرار تحت رقم 65/224، وقد استحضر القرار مختلف الجهود التي بدلت في هذا الإطار مند نشوء الأمم المتحدة إلى حدود لحظة إصداره، مستعرضا مختلف الاتفاقيات الدولية، والإعلانات والقرارات الدولية ذات الصلة بموضوعات عدم التمييز بكل صوره خاصة التمييز الديني والكراهية ضد الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى، ثم اليهودية والمسيحية. كما أكد القرار في فقرته 9 على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تعرب عن استيائها من استخدام وسائل الإعلام المطبوعة والسمعية البصرية والإلكترونية في التحريض على أعمال العنف وكراهية الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب، وتمييز ضد أي دين، ومن استهداف الكتب المقدسة، وأماكن العبادات، والرموز الدينية لجميع الأديان وانتهاك حرماتها. ويعيد هذا القرار، في رأي الدكتور علي كريمي، التأكيد على التوصية العامة رقم 15 الصادرة عن لجنة القضاء على التمييز العنصري، التي تنص على حظر نشر جميع الأفكار القائمة على التفوق العنصري، أو الكراهية العنصرية بما ينسجم مع حرية الرأي والتعبير، ودون السقوط في التحريض على الكراهية الدينية، وتدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة كافة الدول انطلاقا من نص هذا القرار، إلى واجب تطبيق أحكام الإعلان الخاص بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، وتحث في نفس الآن الدول الأعضاء فيها إلى العمل في إطار أنظمتها القانونية والدستورية بتوفير الحماية الكافية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه الناجمة عن الحط من شأن الأديان ومكانتها، لقد شرعت الدول الأعضاء في اتخاذ بعض الخطوات لحماية الحرية الدينية، واحترام الأديان، بلجوئها إلى سن قوانين لمنع الإساءة إلى الأديان، ومنع عرض الصور النمطية السلبية عن أتباع الأديان. لكن مع ذلك فإن هذه الصور النمطية، مازالت تنتشر بقوة في بعض الدول الغربية تحت مبرر حرية الرأي والتعبير، وحرية الإعلام، كما مازالت هذه الدول تتردد في إصدار تشريعات وطنية، انسجاما مع ما التزمت به من قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، من أجل معاقبة من ينتهك حرمة الأديان حتى ولو تذرع بحرية الرأي والتعبير التي تتناقض جملة وتفصيلا مع الكراهية والتمييز الدينيين. ومعلوم أن مجلس حقوق الإنسان هو الجهة التي من شأنها التنبيه إلى واجب شجب ومنع حالات التعصب والتمييز والتحريض على كراهية معتنقي أي دين، كما من واجب الأمم المتحدة وكل المنظمات الإقليمية والدولية العمل على تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب نتيجة ارتكاب الإساءة إلى الأديان، لقد طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من الأمين العام أن يقدم تقريرا حول مدى تنفيذ قرار مناهضة تشويه صورة الأديان، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على ذلك يطرح اليوم سؤال مركزي ومحوري ومعقد: كيف يمكن منع الإساءة إلى الأديان؟ وما هي الآليات الكفيلة بالتنزيل العملي لقرار الأمم المتحدة؟وفي ظل الأحداث التي تشهدها مناطق عديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء تتسم بانتشار حركات دينية متطرفة تهدد الأمن والسلم العالميين، وفي وقت تزايدت فيه موجه التمييز والكراهية والعنصرية على أساس العرق والدين في أوروبا، واستفحلت فيه ظاهرة الإسلاموفوبيا، تزامنا مع الأحداث التي شهدتها كل من ألمانيا(مظاهرات ضد أسلمة الغرب) والسويد (إضرام النار في المساجد) وفرنسا (الاعتداء المسلح على مقر جريدة شارلي إيبدو)، تعالت الأصوات من جهات عديدة تطالب بوضع اتفاق دولي ملزم يتم بموجبه احترام الأديان والتمييز بين حرية الرأي والتعبير ومسألة الإساءة إلى الأديان، واعتبار ذلك بمثابة مساس بحقوق الإنسان.إن الإساءة إلى الأديان بواسطة مختلف وسائل الإعلام، أمر مخالف لقواعد القانون الدولي جملة وتفصيلا، وهي ظاهرة خطيرة تتزايد يوما بعد آخر، وتنتشر انتشار النار في الهشيم، من بلد غربي إلى آخر، خلافا لما تتضمنه قواعد القانون الدولي على المستويين العالمي والقاري من مبادئ تحرم الإساءة إلى الأديان وتؤكد على التسامح وتنبذ مختلف صور التمييز، سواء أكان عرقيا أو إثنيا أو دينيا، استنادا إلى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق المنبثقة عنه.لقد ازداد الوعي بضرورة شجب استغلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية لهذا الغرض، خاصة أنه قد صدرت كتب وصنعت أفلام أمعنت في الإساءة إلى الرموز الدينية خاصة الإسلامية، وتلتها رسومات ومقالات صحفية، وتعليقات مبثوثة على المواقع الإلكترونية، تخرق بصورة فاضحة مبادئ التسامح، وتسيء للإسلام تحت مبرر حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. ورغم الجهود المتوالية التي تبذلها منظمات دولية ومنها الإيسيسكو، والتي تجد سندها في اجتهادات القضاء الدولي، وفي الاجتهاد الفقهي الدولي الرصين، فإن مسألة الإساءة إلى الأديان بواسطة وسائل الإعلام هي في تصاعد مستمر، مما يستلزم التفكير في إيجاد حلول لوضع حد لهذه الظاهرة التي تزداد حدة وقوة من حين لآخر.لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ هل بفرض قيود على حرية الإعلام، وبالتالي على حرية الرأي والتعبير؟ أم بإطلاق العنان لها دون حسيب ولا رقيب؟ أم بجعل حق احترام الأديان وحرياتها نداً مساويا لحرية التعبير عن الرأي؟ لأن طغيان أحدهما على الآخر، قد يؤدي إلى انتهاك مبدأين قديمين متأصلين في منظومة حقوق الإنسان، لا يمكن التضحية بأحدهما من أجل الحفاظ على الآخر. تلك أسئلة تشغل حاليا بال الباحثين والمنظمات الإسلامية والدولية المعنية بالموضوع، وستنال لاشك كثيرا من الاهتمام والدراسة والمتابعة في ضوء تداعيات انتشار ظاهرة الإساءة للأديان وفي مقدمتها الدين الإسلامي ورموزه المقدسة، والجهود الدولية المتنامية للحد من الأعمال الإرهابية للجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط ودول الساحل الإفريقي.