17 سبتمبر 2025
تسجيللن أشبه التشرذم الخليجي حول القضايا العربية المصيرية بـ "الجاهلية الأولى" وما تبعها من التنازع على موقف النبوة، فالنبوة أكرم وأشرف من أي موقف سياسي ولكني لست ادري لِمَ يحضرني في شأن الاختلاف الخليجي الواضح موقف كبار رجالات قريش وهم من اشرف قبائل العرب في الجزيرة العربية التي دأبت على النخوة والشرف والمروءة والكرم بما ضمته من تاريخ عريق سطّر مكارم الأخلاق، ولكنها على الجانب الآخر تأخذها الحمية حينا أو الاندفاع كثيرا بما دأبت عليه من الصد والكيد والكر والفر والمكر مما قد لا يكون حينا على منطق أو مصلحة مشتركة بل على اعتبارات الزعامة في بيئة قبلية عرفت تنازعات دموية منذ الجاهلية الأولى بسبب فرس أو ناقة وما دونهما لسنوات عجاف امتدت الى ما ينيف على الأربعين عاما فيما اطلق عليه مسمياته من "بسوس"، او بما خرقت به الأعراف والدماء في الأشهر الحرم فكانت "فجارا" حتى قاد لها الله حكيما من بينها يفدي الدماء ويقود الصلح ويحقن الدماء.تعود الجاهلية الأولى أدراجها إلى شبه جزيرة العرب لنجدها ماثلة في اختلاف مواقف بعض دول الخليج حول القرارات المصيرية من عدد من الأزمات الإنسانية الطاحنة بين إخوتهم وعشيرتهم وحول الوقوف مع الشعوب والحق والعدالة والشرعية في كل قطر بل وحتى حول الوقوف الأمني بموقف واحد تجاه المصير المشترك أمام تهديد محدق حتى بتنا لا نعرف الفرق في المعجم السياسي "السمج" بين دول صديقة أو شقيقة" أو "مارقة" او "عدوة"، هذا فضلا عن تجرؤ "نكرات" من خلال الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها الى بث الفرقة والفتنة بين اللحمة الواحدة بأسلوب رخيص يتشابه بمن يلقي الكروش وروث الدواب خلف الحقّ.. الحقّ الذي يعلم ويعلم متبعوه بلا شك اتجاه القبلة دون ان يلتفتوا خلفهم للروث الذي تبّ وتبّت يدا صانِعُه.تشرّف موقف النبوة — عن أي شخص وعن أي موقف سياسي بائس — او ربما ساقط نعم ساقط — وعذرا لهذه الكلمة — لأنه كاد الحق أن يضيع ولم يعد يُعرف "ايّ حقّ رُفع وايّ باطل وُضِع" وغدونا نحن الشعوب العربية في معارك طاحنة أسلمت أمما منا إلى باطن الأرض عدوانا أو في السجون والمعتقلات ظلما، أما الآخرون فإن لم تكن معاركهم على الأرض فهي ضارية على المساحات الإعلامية والافتراضية، وبعضهم فقد الأخلاقيات فهذا يكفّر ذاكَ، وذاك يقبّح الآخروهذا يشتم ذاك فيبدو سوء بعضهم من سوء ما نَضَحَ به إناؤهم.تجرعنا في العالم الافتراضي بأشباه من يُدْعَى (عمرو بن هشام) وما ادراك ما "أبي جهل" زعيم "بني مخزوم" ومحسوب على انه من رؤوس قريش! "قريشٌ" التي جاء نبي الله المصطفى صلى الله عليه وسلم منها ولكن من فرع "بني عبد مناف "، وجاء مع ابي جهل الجديد من نسخة اليوم بعض من شرذمة آخرين من أشباه الرجالات في مواقع أخرى يسترقون السمع في صدى النكسة العربية خفية ويجتمعون بل ويجمعون خلسة ليتشاوروا لرأب ما يقض مضاجع "أبي جهل" من معاداة للحقّ حتى كان جوابه الشهير في التاريخ العربي الجاهلي القبلي على سؤال الأخنس بن شريق بمقولته المشهورة: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتي ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه"!.لا أشبه التاريخ النبوي بالحدث أبدا، فالحدث اليوم حولنا أشبه بالمكر بشقيه حتى السييء غير المشابه اطلاقا ولكنني اشبهه بطريقة التعامل مع كبريات الأمور والقضايا المصيرية لدى البعض من دعوى الجاهلية والتناحر بل ما يماثله من تنافس على من — بمعايير النخوة ومعطيات وضرورات اليوم — حملوا وحملنا واعطوا واعطينا وسقوا وسقينا وانجزوا وأنجزنا وبذلوا الغالي والنفيس في مواقف مختلفة وبذلنا، ولكن دعا البعض في خليجنا الواحد إلى التناحر وإنكار ما يجب الاتفاق عليه من حرمة الدم والنفس والعرض وحماية النفس الإنسانية والإرادة الشعبية والحق الشرعي.نحزن..نعم نحزن كثيرا نظرا للتواطىء الدولي بين مصالح فرس وروم ومغول حولنا على قضايا أمتنا ونظرا لتخاذل أمم ممالئة سموها تغليفا وخداعا "متحدة" ووضعوها في إطار دولي. نحزن لأن جذورنا الإسلامية واحدة واللحمة العربية واحدة بل واللحمة الخليجية والمصير المشترك واحد وفوق هذا وذاك لأن القضايا التي تكتنف العالم العربي قضايا انسانية مصيرية مشتركة سالت عليها دماء بريئة غُدر بها وهي تقتضي التوافق لا الاختلاف، ونصرة المظلوم لا الظالم دون اعتبارات الطائفة والعرق والحزب والتحالفات الإقليمية او الدولية والمصالح الذاتية لكل على حدة كتلك الجاهلية الأولى التي عفرت التراب أمام خيول مكيدة وأودت في حلبات عدة فرسانا محنكين بقدر ما سحقت أراضي وأبادت أبرياء.نأمل لأننا كخليجيين نحب بعضنا ونحب لحمتنا، نؤمن نحن الشعوب أن مصيرنا واحد ولكن يأبى البعض وأبواقهم إلا ان يجعلوا خليجنا غير واحد فكادوا أن يخوضوا بنا في ساحات غيرنا حرب "فجار" في أشهر حرم سلفت ليستخفّ خفيفهم بنا عددا وصوتا وصورة ليحولونا إلى فرسي رهان، داحسهم وغبراؤهم في حلبة انتقلت بفعل الآلة والعصر والزمن من الأرض الى الفضاء أيضا فيما نأمل ألا يقود الى خلاف ليس وقته وملهاة لملاحم عربية — عربية أو خليجية — خليجية تعرقل الوقوف امام قضايا اساسية صرفونا عن قدسية قبلتها الأولى وشرعية الدفاع عنها، وأمام عدو أكبر واضح للعيان وقضايا مصيرية أهم وأخطر أشعلتها المصالح الدولية المتواطئة على ساحل الخليج العربي الشرقي بعد تجزئة الشرق الأوسط بأقبح "تقطيعٍ إرَبٍ" أسبغت عليه مكرا دوليا تسميه "جديدا".