01 أكتوبر 2025

تسجيل

الثورة السورية على أبواب إتمام عامين

27 فبراير 2013

مع اقتراب إتمام عامين على انطلاقة الثورة السورية ضد استبداد النظام الأسدي، ربما شعر السائرون على هذا الدرب وأنصارهم والحادبون عليهم في لحظة أو أكثر بشيء من الضيق، يصل أحيانا إلى درجة القنوط بسبب عدم بلوغ الثورة لهدفها الرئيس المتمثل بكنس النظام الحالي، وحصول الشعب السوري على حقه في اختيار من يمثله ويحكمه، وعودة الأمن والأمان إلى ربوع البلاد، واستعادة مكانتها اللائقة ودورها المأمول، وعدم وجود ما يلوح في الأفق لانتهاء هذا الوضع المأزوم، وبخاصة مع تجاوز النظام لكل الخطوط الحمراء في الإثخان بشعبه، وافتضاح حجم المؤامرات على هذا الشعب، حتى من الذين يدّعون الوقوف إلى جانبه. ولكيلا نفتقد البوصلة في خضمّ هذه المرحلة المهمة والحساسة من حياة الشعب السوري، ويفلح من ثَمَّ أعداء هذه الثورة من أعوان النظام وداعميه إقليميا ودوليا، وغيرهم ممن يظهرون الشفقة على الشعب السوري الثائر في كسب الزمن لصالحهم، والوصول بنا إلى حلول ترقيعية هزيلة تعيد إنتاج النظام بصورة من الصور من جديد، وتذهب برأسه وتترك منظومته الفاسدة، على أساس أنه لا يمكن الاستمرار إلى ما لا نهاية، طالما أن أحداً من الطرفين لم يستطع أن يحقق نصرا بيّنا على الطرف الآخر، أو بدعوى وقف شلال الدماء المتدفق وذلك بالجلوس إلى مائدة حوار وتفاوض مفصلة وفق مقاساتهم، بعد أن تمّ لهم ما أرادوا من تدمير البنى التحتية للبلاد.. من أجل كل ما سبق لا بد من توضيح الحقائق التالية أو إعادة التذكير بها: ـ الشعب السوري يواجه نظاما قد يكون مختلفا عن الأنظمة العربية الأخرى التي مرّ بها ربيع الثورات العربي، فهو امتداد من الإجرام والفساد من الأب إلى الابن، وربما كان سيصل به للحفيد، في إرساء لظاهرة توريث الأنظمة الجمهورية، وهو بالوقت نفسه يستخدم الطائفة أداة في صراعه، عملَ قبل الثورة على الزجّ بأبنائها للإمساك بمفاصل الجيش والأمن، وبعد الثورة أقنعها زورا وبهتانا بأنها مستهدفة من قبلها، وأن مصيرها مرتبط بمصير نظامه، وأتخذ من أفرادها وقودا لحربه (تشير الأرقام أنه قتل من أفراد الطائفة قرابة عشرين ألف شخص)، وهو بالوقت نفسه اتخذ الحزب (البعث) مطية لأهدافه باسم الثورية. وفي حين كان يدّعي الوطنية ويتدثر بعباءة المقاومة والممانعة، قام بعقد سلسلة من التحالفات والاتفاقيات الإقليمية والدولية المريبة التي لم يضاهيه فيها أحد في المنطقة، تم بموجبها المحافظة على أمن إسرائيل، وعدم السماح باختراق أراضيه المحتلة من قبل الجولان، والتماهي مع المشروع الصفوي الإيراني منذ ثلاثين عاما، والذي تكشّف وجهه الحقيقي مؤخرا.. من طهران للضاحية الجنوبية، إلى اليمن وبعض دول الخليج، بكل ما يمثله من تهديد وجودي للأمة. ـ من الخطأ وضع تقدير افتراضي لأمد انتصار الثورات وحجم الضحايا اللازم لهذه الغاية، سواء أكان ذلك ضد الاستعمار أو الاستبداد أو العنصرية، لأن ذلك متروك للموقع الجغرافي للثورة، وللظروف المحيطة بكل منها، وحجم دموية مَن تواجهه والتآمر المنصبّ عليها. ولعل الخطأ الذي حصل هو مقارنة الأمد الذي استغرقته الثورات التونسية والمصرية والليبية ـ من شهر لعدة أشهر ـ بتأخر انتصار الثورة السورية، مع أن الاختلاف واضح فيما بينها، ونذكر هنا بعض الفروق على سبيل المثال لا الحصر، كعدم وجود قوى داعمة لتلك الأنظمة بشكل واضح وقوي، كما يدعم النظامان الروسي والإيراني نظام دمشق، بكافة أنواع الدعم بما في ذلك الجنود والخبراء والأسلحة، وعدم دموية تلك الأنظمة كما هي دموية النظام السوري، باستثناء نظام القذافي المشابه له، الذي جوبه بتدخل من حلف شمال الأطلسي وامتناع الجهات الدولية التي تدعي عداءها للأسد عن مد الجيش الحر ببعض الأسلحة النوعية، فضلا عن التدخل العسكري ضد نظام الأسد، كما فعل في ليبيا، تحت مبررات واهية كوجود تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية، والخشية من وصول الأسلحة إليها، وحماية الأقليات وغيرها، بينما الحقيقة غير ذلك. وللتأكيد فقد بعض الثورات كالفرنسية عشر سنوات، والجزائرية حوالي ثماني سنوات وسميت الأخيرة بثورة المليون شهيد. ـ ربما يرتبط الأمر بنظرة الغرب والمجتمع الدولي والكيان الصهيوني لهذه الثورات التي جاءت مفاجئة لهم، ورغبتهم في فرملة الحراك الشعبي الثوري العربي، أو عدم ترك المجال له لتصل عدواه إلى دول أخرى لأسباب كثيرة، لعل من أهمها أن من ستفرزه الانتخابات بعد انتصار الثورات إما أنهم من تيارات وطنية أو إسلامية، يصعب قيادها أو التفاهم معها كما كان الأمر مع الأنظمة الديكتاتورية، أو أنه لايمكن لها ضمان مصالحها وأمنها بالصورة المُختلَّة لصالحها كما هو الحال في ظل هذه الأنظمة الفاسدة، ولا يخفي كثير من المراقبين أن عدم الاستقرار في مصر ما بعد الثورة، وأن ما يحصل من إطلاق يد النظام السوري في قتل شعبه دون خطوط حمراء، وصمت العالم الغربي المريب عن ذلك، ونقضه للوعود التي أطلقها بمساعدة الشعب السوري، على ارتباط وثيق بهذه المعادلة. لقد اتضح أن الغرب يريد الديمقراطية لمجتمعاته فقط، وليس لمجتمعاتنا العربية النامية، لأنه ربما يعتقد أو يتيقن بأن مصالحه ستكون أكثر ضمانا في ظل الديكتاتوريات التي تقبل بالتبعية وتقديم التنازلات له، لتبقى على كرسي الحكم. إذا تفهّم الشعب السوري وثواره وكل مناصري تيار الثورات العربية ما سبق، وكانوا على ثقة بصوابية دوافعهم في التحرك، وبنصر الله للمظلومين على الظالمين باعتبارها سنة من سننه، فإنهم سيكونون أكثر اطمئنانا بصحة مسارهم، وبالنصر الذي ينتظر حراكهم طال الزمن أم قصر، غير آبهين بالمرجفين والمثبطين، والأجر والمثوبة على قدر المشقة.