17 سبتمبر 2025
تسجيلقضية الاستبعاد الاجتماعي شغلت بال كثير من علماء الاجتماع كونها سبباً مباشراً في تقسيم المجتمعات وظهور بؤر التوتر والانقسام فيها. فالاستبعاد الاجتماعي يعمل في تضاد تام مع عملية الاندماج التي تقوم عليها المجتمعات حتى إن مفهوم الدولة ذاته يعد ناقصاً مع وجود بوادر الاستبعاد الاجتماعي فيها. هناك نوعان من الاستبعاد الاجتماعي يمكن ملاحظتهما في المجتمعات الرأسمالية الناقصة حيث يؤدي رأس المال دورا سلبيا نتيجة عدم ارتباطه بنشوء الديمقراطية وطبقاتها الملازمة لها تاريخيا. فوجود الإثنيات والطوائف وجود طبيعي في جميع المجتمعات ولا يمكن ان يشكل خطرا عليها الا اذا اقترن بفكرة النقاء والاصطفاء او امتلاك الحقيقة لفئة او طائفة دون غيرها، لذلك يمكن التعامل مع نتائجه مع التسليم بوجوده اصلا. ما يهمنا هنا نمط اخر مؤسس لعملية الاستبعاد الاجتماعي له علاقة بعملية التطور التي مرت بها مجتمعاتنا العربية واجتياح الرأسمالية وحدها لهذه المجتمعات دون مصاحبة حقيقية لتشكيلاتها الأرضية الضابطة لقيامها كنشوء برجوازية وطنية مطالبة بحقوقها، النوعان من الاستبعاد الاجتماعي اللذان اشرت اليهما، احدهما متعلق بالنخبة او بالطبقة العليا في المجتمع والاخر بطبقة المهمشين فيه، الاولى لأنها مكتفية والثانية لأنها مقصية، الاولى لها مبرراتها بنفي نفسها اختياريا والثانية لا تستطيع ان تبرر شعورها بالاستبعاد، الاولى عادة ضيقة، والثانية غالبا مفتوحة وتزداد مساحتها مع الوقت، الاولى لها اخلاقياتها والثانية كذلك، الاولى تمجد الوضع الراهن والاخرى تطلب التغيير. شكلت الدراسات الاجتماعية مدخلا هاما لدراسة وجود الاستبعاد الاجتماعي في المجتمعات الريعية واثبتت الدراسات ان عملية توزيع الريع عامل هام في وجود وقيام مثل هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة وان من اهم سلبياتها انزياح المجتمع ضد نفسه ومكوناته بل انه حتى في المجتمعات المتقدمة شكلت جيوب المهمشين مشكلة للانظمة والحكومات. والخطورة في مجتمعاتنا لها شقان ليسا فقط متعلقين بأطراف المجتمع نفسه، الطبقة العليا والطبقة الدنيا، بل في غياب الطبقة الوسطى كذلك واضمحلالها، الذي نفهمه ان الاستبعاد الاجتماعي بشكله التاريخي المعروف متعلق بطبقه المهمشين وجيوبها، اما الشكل الذي يلاحظ في مجتمعاتنا الخليجية بالذات ان جزءا اخر يسعى لاستبعاد نفسه اجتماعيا نظرا لاكتفائه وعدم حاجته ربما، وهنا مكمن الخطورة متى شعرت فئة او طبقة باكتفائها واستغنائها عن باقي فئات المجتمع، فالامر خطير على المجتمع ككل مترابط يشد بعضه بعضا ويتلاحم افراده في جميع الظروف والمناسبات. تشكل الديمقراطية جسرا يمكن العبور فوقه لتجاوز هذه المثالب التي نتجت عن قصور بعض المجتمعات تاريخيا ليس بالضرورة ان يكون المجتمع منتجا للديمقراطية ولكنه من الضروري الاقتناع بها واستيعابها من نسيجه وبعض آلياتها مع التطور لمنع الاحتكاك الذي قد يحدث لو استفحل الامر، والذي نشهده في مجتمعات عديدة والذي لا نتمناه ان يحدث في اي بلد عربي فنحن لا نزال نأمل في استمرار (حنية اللي "فوق" على اللي "تحت") التي بدأت كما يبدو في التآكل. أول من تنبه لذلك الفنان أحمد عدوية، الله يشافيه. [email protected]