12 سبتمبر 2025

تسجيل

حكــايــــة أشبــــــاه الثــــــورات!

27 يناير 2019

نضحك أم نبكي؟ نصفق بإعجاب أم نقلب ذات اليمين وذات الشمال بتحسر وأسى وآهات تصل إلى عنان السماء وتطرق أبوابها لعل الله يرحمنا مما بتنا فيه وصار عليه كثيرون من (أصحاب الثورات) في عالمنا العربي!.. فثورة الخامس والعشرين من يناير والتي انطلقت في مصر المحروسة واستمرت أسابيع قليلة انهار فيها حكم مبارك دون حسنة واحدة تشفع له ما يعانيه اليوم من إذلال ومهانة وانزواء خلف قضبان حديدية حتى وهو على فراش المرض انتهى به كل ذلك للحكم عليه بالبراءة من تهم عدة ولا يزال على ذمة تهم أخرى ليس من المستبعد أن يخرج منها بريئاً أيضاً!..ولا تسألوا عن السبب فما كان يفسر ما هو حاصل الآن! فالصحيح إن مبارك وعائلته باتوا من أخوات (كان) ومضى ولكن أذيال حكومته ومن بقي منهم وتولوا حكم البلاد والعباد فهم من إخوة (إن) وصار ولذا فإن مصر لم تقم على حيلها ولم تنفض عنها العهد المباركي ما دامت بقايا حكومته هي التي تكمل ما بدأه، ولعل الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي أحد أشهر فلول مبارك هو ما يجعل ثورة 25 يناير أثراً بعد عين ويحاول طمس ما فعله الملايين من شباب مصر وقتها ولاتزال القيامة تدور على أرض المحروسة ما بين مؤيدي شرعية الدكتور محمد مرسي وبين مؤيدي انقلاب السيسي ويضيع وسط هذا وذاك معنى الثورة التي أطلقت القاهرة شراراتها في أول يناير 2011!.. والحال ذاته في تونس التي أطلقت شرارة (ثورة الياسمين) في سماء الوطن العربي وعوضاً عن إطلاقها رائحة زكية فقد أطلقت ريحاً منفرة لاتزال آثارها باقية في شوارعها ولا يزال الشعب يريد إصلاحاً وصلاحاً و(استرداد ثورتهم)!.. فأين الثورات التي تكون فتـُجدي؟!..وتتحول نارها شهباً تزين السماء وليس لهباً يحرق الأرض؟!..أين هي الثورات التي تسقط الحكومات وليس الرؤساء؟!.. أين هي الثورات التي يتنفس الشعب بعدها راحة وحرية وشعورا عارما بأنهم انتصروا ؟! بل ماذا استفدنا من هذا كله إن كان مشعلو فتيل الثورات يطالبون اليوم باسترداد ثوراتهم والعودة إلى اليوم الأول من هتافهم (الشعب يريد والشعب يطالب)؟!..لماذا لا زلنا نرى ماضي مصر وتونس متجسداً بكل قبحه وظلمه بينما ما يجب أن نراه اليوم هو حاضر يرمم نفسه لمستقبل مشرق يعيد لمصر الهيبة عوضاً عن الخيبة التي عاشت بها في عهد مبارك!.. لماذا أصبحت تونس تحترق أحياناً وقد اعتقدنا إن البوعزيزي الذي أشعل نفسه ليطفئ نيران الجوع والكبت والفقر في بلاده؟!..لماذا باتت فوضى اليمن مستمرة إن كانت عاصفة الحزم قد أتت لترتب الأمور فيها؟!.. لماذا سوريا لازالت تئن وتلفظ من رحمها عشرات القتلى يوميا ولاتزال الاتهامات متبادلة بين الحكومة وحركات المعارضة حول الدم المهدور والأمن المفقود يساعد على ذلك تواطؤ المجتمع الدولي مع نظام بشار والمسرحية الأميركية المتقنة حول سحب قواتها التي اتجهت تلقائياً إلى أن بقاء بشار على سدة الحكم له فائدة أكبر مما لو ذهب عنه؟!..واليوم يهتز عرش البشير في السودان بتجمعات عارضت ارتفاع أسعار المحروقات والديزل والبنزين لتتطور إلى مطالبات ومظاهرات صريحة بإسقاط النظام، بل وتطور الموضوع إلى قتل المتظاهرين وكأن النسخ العربية التي قامت فيها الثورات تتأصل بكل بشاعة الدماء فيها إلى السودان المنهك اقتصادياً!..فمن المسئول عن إشغالنا وانشغالنا بموضة الثورات حتى هذه اللحظة ومن الذي سيلحق من باقي الدول العربية إلى ركبها إن كانت بالفعل باتت موضة وعملا لمن لا عمل له؟!..لماذا تـُخمد الاضطرابات في العالم الغربي وتزيد توهجاً وترنحاً عن أهدافها في عالمنا العربي؟!..بل لمن تعود فائدة ذلك ومن المستفيدين الحقيقيين وراء تقويض أنظمة وكراسي الحكم العربية ولماذا تجد كل هذه النار من يؤججها حقاً بين علماء الأمة وشيوخها الذين يزيد بعضهم في أتونها ؟!..ألا نفكر ولو قليلاً؟!..فالمسألة ليست إطاحة برئيس ويعيش الشعب مرتاحاً كما يتصور صانعوها فمن يتحمل ألسنة النار عليه أن يأمن لنفسه العلاج المناسب وإلا بات الأمر أشبه بالانتحار وهذا بالفعل الذي يجري فعلاً في مصر وتونس وليبيا الذين تحملوا حروق الثورة لكنهم لم يلقوا حتى الآن من يطببها لهم وهذا ما يجب أن نسعى إليه إن أردنا أن تصبح (ثوراتنا) ثورات بالمعنى الكامل والناجح وليس بالشكل الناقص الذي خرجت عليه ثورة مصر وثورة تونس !..ولا أخفيكم فقد كنت من أول المباركين لمصر (نجاح) انتفاضتهم لكني اليوم أجد نفسي تعاقبني على لواحق هذه الانتفاضة التي يسعى بعضهم إلى (استرداد ثورتهم) التي سلبها منهم السيسي وانقلابه العسكري!..ولعل المشكلة الحقيقية المتأصلة في دواخلنا أننا بشر عاطفيون تحركنا زمجرة الغضب إن أطلقها غيرنا وسعينا لمشاركته إياها دون التفكير بما قد يعقب هذه الزمجرة من عواقب ولمن كانت مصلحة إطلاقها.. كيف لا ونحن بالأساس (عرب) لا نفطر قبل أن ينطلق مدفع مدوي يقول لنا كلوا واشربوا وناموا ؟!. ◄ فاصلة أخيرة: نبقى عرباً ! [email protected]