12 سبتمبر 2025
تسجيلالصورة قد تختزل ألف عبارة، وقد تكون أبلغ من ألف مقال، كما يقال، خصوصا إذا كانت عفويّة، وبعيدة عن التكلف أو التصنّع أو الاستعراض.وفي العمل الإنساني خصوصا الإغاثي منه، ثمة احتياج أكبر للصور، فهي مهمّة لإثبات مصداقية المؤسسة في تنفيذ مشاريعها، والوصول إلى المستهدفين من خدماتها فعليّا، وللحصول على لقطات متميّزة ومؤثرة، يمكن تدعم حملاتها التسويقية، وتسهم في حشد الدعم لها.لكنّ كثيرا من هذه الصور قد تأتي بنتائج عكسية، من حيث لا يحتسب بعض القائمين على العمل الخيري، أو لا تحقق أيّ تأثير يذكر على الأقل، وذلك عندما تركّز على مقدّمي المساعدة أكثر من المستفيدين منها، أو عندما تكون استعراضية، تَشخَص فيها أبصار من يتم تصويرهم إلى عدسة الكاميرا، وحتى مع ظهور ابتساماتهم مع الآخرين تشعر وكأنّها مصطنعة، لا تنبض بالحياة والصفاء والجمال. وحتى تحقّق الصور في العمل الإنساني التأثير، وتكسب التعاطف عليها أن تتصف بما يلي: ـ ألا ينشغل أعضاء فرق الإغاثة بهمّ أو هاجس التصوير، بل يتركون أمره لأشخاص أو مصورين على دراية وخبرة بالقواعد الإنسانية، وأخلاقيات الصورة بشكل مهني، وهؤلاء قادرون على التقاط الصور المطلوبة بتلقائية وعفويّة.ـ يكفي أن يكون شعار المؤسسة الإنسانية على المعونة المقدَّمة أو على معطف "صدرية" يلبسه عامل الإغاثة، بعيدا عن "النبرات" واللافتات الكبيرة، وإلزام الناس بأن تكون صورهم بجوارها أو أمامها. ـ يمكن أن تكون الصور جانبية، ولا يشترط التركيز على كامل الوجوه للمستفيدين، أو لعاملي الإغاثة والقائمين على توزيع المعونات والمشرفين على المشاريع الإنسانية، إلا أن يقتنص المصور ابتسامة طبيعية أو دمعة غير متكلفة من حيث لا يدري صاحبها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأطفال والشيوخ. ـ أن يراعي القائمون على العمل الإنساني عند تقديم المعونات ـ على الأقل ـ عدم ظهور فارق كبير في سمتهم ومظهرهم وسمت ومظهر من يقدمون لهم المساعدات قدر الإمكان، فلا يعقل أن يكون المستفيد تحت حر الشمس القائظ بلا شيء يقيه منه، ومقدّم المعونات يضع النظارات الشمسية أو يستخدم المظلة، كما أن من غير المقبول أن يركب فاره السيّارات ويلبس أفخر الثياب.. بينما لا يجد المستفيد أي ظهر يحمله رغم الإعياء أو يظهر أطفاله ببالي أو رثّ الثياب.. إن هذا سيترك انطباعا سلبيا عند المستفيد، وعند من يرى الصورة أيضا. ـ أن يُستَأذن المستفيدون عند التقاط الصور، وألا يجبروا على ظهورهم في الصور أثناء تقديم المساعدات، إذا كانوا لا يرغبون بذلك، وأن لا تلتقط صورهم بسيف الحياء، فهذا مناف للدين والخلق والمروءة والمهنية.ـ ألا تلتقط وتعرض الصور التي يتوقع أن تثير الكثير من الآلام عند من سيشاهدونها، أو التي لا تحفظ الكرامة الإنسانية لمن تلتقط له الصور. ـ التعبير عن الأوضاع الصعبة لا يكون في الصورة الحزينة والمؤلمة دوما، بل ينبغي الحرص على الصور التي تعكس الأمل وتشيع التفاؤل، كالتركيز على بسمة طفل سَعِد بكسوة عيد، أو يتيم دخلت البهجة إلى قلبه في مهرجان ترفيهي، أو شيخ أحس براحة بعد إجراء عملية جراحية، خلّصته من آلام كان يعاني منها. ـ مراعاة ألا تظهر اليد من علٍ عند تقديم المساعدات، بل ينبغي على من يقدّم المساعدات أو على من يزور المرضى أو يتحدث للأطفال أن يجلس أو يقعد القرفصاء بحيث يكون بسوية من يقابلهم أو يخاطبهم أو يمد يد المساعدة لهم، وأن يحرص على الابتسامة والرفق في التعامل مع يتوجّه إليهم. ـ صور الأطفال هي الأكثر تأثيرا في المشاهدين، بحكم الحب الفطري الذي أودعه الله في قلوبنا نحوهم "الصغير حتى يكبر"، والتعاطف معهم، وما تختزنه صفحات وجوههم من براءة، والشيء نفسه يمكن أن يقال على صور الشيوخ.تذكّروا أن الصورة التي تبرز الأثر بعفوية، أو تقتنص ابتسامة نابعة من القلب بتلقائية، وتحفظ الكرامة الإنسانية للمستفيدين وتلتزم بالقواعد والمعايير الأخلاقية والمهنية التي سبقت الإشارة إليها في الوقت نفسه، هي التي تكون الأكثر قبولا وتأثيرا.