15 سبتمبر 2025

تسجيل

الرياض تتشح بالسواد حدادا على فراق الملك عبد الله

27 يناير 2015

انتقل الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الدار الآخرة في صبيحة يوم الجمعة الماضي. إنه أعظم ملوك العرب في الربع الأول من الألفية الثالثة، وأكثرهم شعبية وصاحب مشروع بنائي إصلاحي في داخل المملكة وصاحب نظرة عربية، إلا أن القدر لم يمهله ليتمم الأمانة، ولعل آخر إنجازات الملك عبد الله في المجال العربي المصالحة الخليجية ـ الخليجية. لقد أغمض عينيه بعد أن تأكد أن الأجواء السياسية بين إخوانه قادة مجلس التعاون أصبحت صافية لا تعكرها سحب ولا رعود غير ممطرة. لست في مجال الحديث عن إنجازات خادم الحرمين الراحل الملك عبد الله، فذلك مجال آخر أرجو الله أن يعينني على تتبع إنجازاته بعد أن تختفي العبرات وحشرجة الصوت من هول المصيبة التي ألمت بنا جميعا، لانتقال الزعيم العربي الملك عبد الله آل سعود إلى مثواه الأخير، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.(2) والمناسبة تقتضي تقديم فروض العزاء للأسرة الحاكمة والشعب العربي السعودي في فقيد الأمة الملك عبد الله، كما تقتضي الأمانة العلمية الإشادة بالانتقال السلس لتولي القيادة وإشغال المناصب دون عناء وفي سرعة تستحق الإشادة، ومن هنا أتقدم إلى خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بأحرِّ التهاني بتوليه مقاليد السلطة والقيادة في البلاد والتهنئة موصولة إلى صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد وإلى سمو الأمير محمد بن نايف لتوليه منصب ولي ولي العهد، وهو المنصب الذي استحدث في زمن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، متمنيا لهم أن يرزقهم الله بالبطانة الصالحة التي تعينهم على أداء مهامهم من أجل ازدهار المملكة واستقرارها وسلامتها من كل مكروه.(3) لكن الأمانة تقتضي القول: إن السرعة التي تم بها إشغال بعض المناصب القيادية في الدولة من ترقية وإعفاء واستحداث قبل مراسم الوداع الأخير تحتاج إلى وقفة تأمل قبل الاستعجال في إصدار الأحكام، أيًّا كانت تلك الأحكام. ولا جدال بأن التحديات أمام الملك سلمان بن عبد العزيز كبيرة جدا على كل الصعد. على المستوى العائلي، لا شك سيكون هناك حوارات صعبة داخل الأسرة الحاكمة حول المناصب القيادية وما يترتب عليها بعد انتهاء فترة الحداد الرسمية، لكن حكمة الملك سلمان وخبرته قادرة على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وامتصاص كل الخلافات وإرضاء جميع الأطراف بالإقناع ولو أن المثل العربي يقول: "رضا الناس غاية لا تدرك"، لكن المعروف عن سلوك الأسرة الحاكمة في السعودية أن خلافاتهم لا تظهر على السطح وأنهم قادرون على إخفاء سرايرهم، لكنهم يعملون جميعا من أجل حماية الدولة وأمنها وسلامتها واستقرارها وذلك أمر يحمد لهم. أما الجانب الآخر من الشأن الداخلي، فإن التركة التي خلفها الملك عبد الله ثقيلة بإنجازاتها، فالانفتاح السياسي وإعطاء دور للمرأة السعودية، وتأسيس جامعة علمية تتبع نظام التعليم المختلط، والتوسع في البنية التحتية رغم تراجع أسعار النفط، أمور تتطلب البناء عليها، وستواجه الإدارة السعودية الجديدة مسألة البطالة بين الشباب والمطالبة باستمرار الإصلاحات التي بدأها الملك الراحل ولابد لتلك الإدارة من الإسراع في امتصاص تلك العوامل التي أتينا عليها، وغير ذلك من الأمور.(4) الملفات التي بين يدي الملك سلمان كثيرة ومتعددة، أذكر منها الملف اليمني، فمع دخول الملك سلمان مكتبه ملكا للمملكة العربية السعودية يجد اليمن دون رئيس للدولة، بعد استقالة رئيس الجمهورية اليمنية من منصبه وكذلك استقالة الحكومة (الوزارة) لتصاعد الخلافات وهيمنة الحوثيين على مقاليد الأمور، فأصبح اليمن اليوم في مهب الريح. كل المعلومات حول الشأن اليمني تشير إلى أن إيران لها دور فيما يجري في اليمن، الأمر الذي سيخل بأمن وسلامة واستقرار المملكة ودول الخليج وكذلك الدول العربية المشاطئة لمياه البحر الأحمر. المسألة السورية لا شك أنها تمثل قلقا للإدارة السعودية، لأنها مؤثرة على الساحة الأردنية المجاورة مباشرة للسعودية، وكذلك مؤثرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في لبنان التي توليه المملكة أهمية خاصة. ولا جدال بأن العراق في ظل إدارة حزب الدعوة وتسلط المليشيات الطائفية على العراق بعون ومدد وتوجيه إيراني لا ينكره الإيرانيون أنفسهم، يشكل خطورة على أمن المملكة ودولة الكويت خاصة ومجلس التعاون عامة. وهنا أقول: لقد اكتمل الطوق الإيراني على دول مجلس التعاون بعد أحداث اليمن. مملكة البحرين همٌّ من هموم القيادة السعودية ولا يمكن تجاهل ما يجري في البحرين، والرأي عندي أن تقوم الإدارة السعودية الجديدة برأب الصدع بين القيادة السياسية في البحرين والمعارضة على أسس سياسية لا أمنية. يجب عدم الانتظار حتى تتأزم الأمور في البحرين وتصبح عملية رأب الصدع مستحيلة. إن أي خلل يجري في البحرين لابد أن تكون له انعكاسات على الأوضاع في المنطقة الشرقية من المملكة، وعلى ذلك لابد من الإسراع في إيجاد حلول لتلك المشكلة السهلة الصعبة. آخر القول: وفق الله الملك سلمان بن عبد العزيز وفريق العمل الذين عينهم لخير الأمة العربية والإسلامية ورزقه البطانة الصالحة التي تعينه على أداء المهمة، والله ولي التوفيق.