11 سبتمبر 2025
تسجيللم يعد المراقب السياسي العربي يفهم كيف تتسارع الأمور وفي أي اتجاه تسير ولماذا تترك دول تتمتع بهيكلها الرسمي لتكون فريسة سهلة لتنظيمات ومليشيات أو حتى أهواء بعض الشخصيات، وبالتالي لم تعد هناك قدرة على المراهنة لمعرفة نتائج مستقبل الدولة العربية، خصوصا دول النزاع الأهلي، واليمن أكبر مثال، فبعد قرب الوصول إلى حلّ وتفاهمات لجميع الأطراف بعد المصالحة والمقاربة التي قادتها دولة قطر، حتى بدأ الرسم البياني يأخذ منحنيات غير مفهومة، وباتت الأوضاع مأزومة حتى وقع المحذور، فاليمن الموحد لم يعد موحدا إلا إذا كان بيت العنكبوت قويا بتماسكه الشكلي، وفي ليلة وضحاها انهارت مؤسسات الدولة القوية، الجيش والقوى الأمنية والحكومة والنظام الرئاسي والاستقرار والسلم الأهلي بات على وشك الانهيار. اليوم لم يعد هناك أي رهان على الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد سلسلة تنازلات ضعيفة قدمها للحوثيين الذين قادوا تحركا مضادا منذ عام، ليخرجوا للعلن كي يحمِّلوا الرئيس هادي مسؤولية تخليه عن الاتفاقات المبرمة، مع أنه نفذ غالبية المطالب، قبل أن يستسلم في الأسبوع الأخير للواقع ويعلن استقالته، لأنه لم يعد قادرا فعلا على إدارة شؤون البلاد، فالحكومة رحلت، والحوثيون يسيطرون على مفاصل الدولة، وباتوا سجانين لعدد من المسؤولين كوزير الدفاع، فمن كان سببا في هذه الفوضى التي أعقبت روح التفاؤل بيمن جديد بعد رحيل علي عبد الله صالح.لاشك أن الرئيس علي عبد الله صالح كان أحد معاول الهدم من خلال تحالفه مع الحوثيين، وانقلابه على حلفائه القدماء، وهو يفرض نفسه بقوة من جديد كرئيس الاستحقاق، فيما ينسى البعض أن اليمن طالما كانت تعيش على سفح جبال بركانية لها موعد مع الانفجارات في منتصف كل عقد، ولعل ذاكرتنا لا تزال تحتفظ بأرشيف الأزمة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، عندما اندلعت الاضطرابات عام 1986 عقب مذبحة "اجتماع المكتب السياسي" في مكتب اللجنة المركزية والذي قاده الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وأدى إلى مصرع العديد من الزعماء السياسيين، إضافة إلى الرئيس عبد الفتاح إسماعيل ونجاة علي سالم البيض حليفه في الأزمة، الذي آلت إليه القيادة بعد هروب علي ناصر محمد وعلي عنتر، فأصبح القائد لليمن الجنوبي حتى وقع اتفاق المصالحة مع علي عبد الله صالح عام 1990، ولم تدم له الأمور، حيث اندلعت الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال عام 1994، قبل أن يخمدها صالح بقوته.علي سالم البيض غادر اليمن لاجئا إلى الجارة الشرقية وهي سلطنة عمان، حيث منح الجنسية بشرط عدم ممارسة أي دور سياسي، إلا أنه غادر عمان إلى أوروبا بعد الحراك الشعبي اليمني عام 2009 ليقود من هناك مطالب الحراك الجنوبي الذي يراه أنه لا يزال الرئيس الجنوبي، وساندهم بذلك عدد من شيوخ القبائل ومشايخ المذاهب وسياسيين جنوبيين باتوا يحنّون إلى زمن اليمن الجنوبي ويدعون إلى عودة الانفصال، ولذلك استطاع الحوثيون السيطرة، لأن لا أحد من القيادة السياسية اليمنية استطاع تحقيق مطالب الثورة اليمنية، وتركوا النار مستعرة تحت القدر الذي يغلي.لهذا من الصعب التكهن بمستقبل اليمن، وعلى أفضل التوقعات يمكن أن نرى اليمن الجنوبي وقد عاد دولة منفصلة من جديد، خصوصا إذا بقي الحوثيون ممسكين بالدولة في الشمال، وإذا غادر الرئيس منصور هادي موقعه، فستكون الطريق ممهدة تماما أمام الحوثي لفرض دولته الجديدة بنفس طائفي، ولن يتورع عن قتال خصومه من جديد، فذلك ليس بجديد عليه، ومن هناك سيتهدد المنطقة والخليج خطر كبير، خصوصا إذا تحالفت قوى العشائر والجنوب مع تنظيم القاعدة، فسنرى نسخة جديدة من تنظيم داعش أو أخطر، ولكن أين الخليج من ذلك.لقد كان واضحا أن اختلاف وجهات النظر بين عدد من دول الخليج العربي تجاه الأزمة اليمنية وطريقة معالجتها قد فتحت لسقوط الدولة أبوابا عديدة، وأخطرها التغلغل الإيراني والدعم الكامل لتنظيم الحوثي، فيما يرى الجميع أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح قد ضحى باليمن ومستقبله السياسي لغاياته الخاصة، ولعل أهمها روح الانتقام وكأنه سيبقى مخلدا، ولذلك تجب معالجة القضية اليمنية بدفع مجلس الأمن لرفض السطو على الدولة اليمنية، واتخاذ قرار أممي لوقف تمدد الحوثيين إذا أردنا إعادة اليمن الموحد إلى سابق عهده، موحدا وللجميع، وبتوافق من الجميع.لهذا فإن اليمن اليوم لن ينفعها رؤساؤها القدماء ولا الجدد، فهي بحاجة إلى تحرك فوري تلعب الدولتان الأهم في الخليج، قطر والسعودية، والجامعة العربية وتحت مظلة الأمم المتحدة دورا لوقف الانهيار السريع في بنية الدولة، فإذا ذهبت اليمن فلن تعود إلا كالسرطان في جسد الخليج العربي.